TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > على فكره: ومن الصمت ما قتل

على فكره: ومن الصمت ما قتل

نشر في: 15 مايو, 2023: 11:12 م

أحمد الزبيدي

أنؤمن أن الصمت ذهب، يجب أن نفضّله على فضة الكلام؟ أم أن الساكت عن الحق (شاعر أخرس)؟ ولا أعرف لِمَ أُبتلي الشعراء بمسؤولية الكلام على سواهم من الأدباء؟.. يبدو أن الخليل بن أحمد الفراهيديّ،

قد ورّطهم بمنزلة (أمراء الكلام).. وما أعرفه - جيّدًا - أن الشاعر سلمان الجبوري - رحمه الله - قد آثر عدم نشر قصائده في دواوين أو صحف منذ أن تولى البعثيون السلطة، فمجموعته الشعرية الأولى صدرت عام 1959 (كلمات طيبة) وقصائد من القلب عام 1962م والثالثة (ملامح العصر المتكبر) و هي آخر مجموعة صدرت له قبل أن تنشب السلطة أظفارها الدكتاتورية في الجسد العراقي؛ فآثر الاعتكاف عن الشعر ولم يصدر له ديوان، بل لم ينشر قصيدة واحدة، في صحيفة أو مجلة، حتى غابت شمس السلطة الدكتاتورية حيث لا رجعة لها.. ثم بدأت دواوينه الشعرية تتناسل وتتولد تباعًا: أصدر عام 2004م (حلم في مرآة مهمشة) وعام 2007م (غيوم برتقالية) وفي العام نفسه أصدر (قصائد من القلب) وفي عام 2011م صدرت له آخر حنجرة شعرية (للقصب ألف حنجرة). وماتت حياته مثلما ماتت أمانيه. وليس في الأمر خفاء؛ أو حققته مصادفة الأرقام أو توصل إليه التأويل.. إنما هو موقف قد أعلنه الراحل الجبوري بعد عام 2003 وذكر في بيان له أسباب انقطاعه عن الشعر والنشر لأجل أن لا يتورط في مدح صدام أو كي يبقى نظيف (الانتماء) وقيد (التوحّد)!

كان مؤمنا بموقفه الإيديولوجي الشيوعي وكان مخلصًا له، ونال الشهادة التقديرية من قبل السلطة فعذّب وسجن حاله حال رفاقه الشيوعيين. ولم تكن لديه من وسيلة يعبر بها عن الرفض سوى (الصمت).. وربما يفسره البعض بأنه (أسلم) أو لم يرد أن يدوس على الجنّي كي لا يقول (اسم الله)! لا يهم ولكن الأهم أن شاعريته لم تتلطخ بمدح السلطة.. وهل في مدحها عيب _ أصلًا _خاصة إذا كان الشاعر مؤمنا بها، معتقدا بأسلوبها؟ أعتقد أن الشاعر أو غيره إذا كان ممن يفضلون النهج البعثي على الشيوعي أو القومي على الإسلامي فهذا أمر عائد له ولقناعاته ولرؤيته من دون أن تكون تلك الرؤية أو ذلك النهج قامعا أو قاتلا للآخر؛ غير أنه ما يقتلني _ حقًا _ أن أرى شاعرًا يصف نفسه باليساري التقدمي الشيوعي وهو يضع بلا وعي قدمه (اليمنى) على قدمه (اليسرى) فتجده مالئًا فمه بكلمات مادحه للبعثيين وتحول إلى مهوال شعبي للحزب الآخر ثم يأتيك الآن ليلعن من مدح حزب نعمته أو يهجو من تكاسل عن النضال!! ولا ألوم شاعرا لم ينتم لإيديولوجية معينة أو لم تغره واحدة منها أو انفلت من عقالها ومدح أو تغزّل بها. لا ألومه فهو ليس لديه موقف سياسي أو لم يبلغ حلم التبني لموقف إنساني بعد؛ فالثقافة المدرسية التي تربى عليها أجّلت عنده الوعي الإنساني أو السياسي ولماذا لا نقول بأنه سار بمركب قد نجا كل من ركبه وهلك من تخلى عنه؟ وقد شاهد بأمّ قلبه كيف يجر أخوه أو أبوه أو أمه إلى باحة التعذيب؟ هل عليه أن يهدي مؤخرته للأمن العامة كي نمدح شرفه (السياسي)؟!! وما يقتلني أكثر أن شاعرا _معيّنا_ ما تخلى عن زيه الزيتوني حتى في فراش أحلامه؛ وتجده الآن على الأبواب الشيوعية الحمراء ليصدح ليل نهار بجيفارا ويبكي أكثر من أهل الميت في ذكرى سلام عادل أو يخاطب ولي نعمته بـ (سيدي) وإذا ضمن عدم وجود من يسخر منه يقول له (رفيقي!). أما الذين قد أطالوا (لحيتهم) كما أطال الله عمرهم فلا داعي للزعل عليهم فقد كثر تناسلهم: سياسيا ودينيا واجتماعيا وثقافيا..

وأعود إليك يا سلمان فقد جفاك النقاد منذ السبعينات اللهم إلا الناقد فاضل ثامر في معالم جديدة من أدبنا المعاصر وطراد الكبيسي في حجر الغابة الحجري ومحمد الجزائري في (ويكون التجاوز).. والباحث ياسر رزاق كريم كتب رسالة ماجستير عن منجز الجبوري دراسة أسلوبية بإشراف كاتب السطور، كذلك تناول الأخير نماذج من شعره في كتابه سِفر التكوين الشعري.. جفاك النقاد فنقاباتهم منشغلة بجلساتها الخيرية التي تقدم النقد والمدح مجانا على رأس الحي المحتفى به والنقاد منشغلون بالكتابة عمن يقول لهم: (شكرا وممتنا..) وترسل له على الخاص قبل النشر كي يضمن صاحبه فضله وإحسانه.. جفاك الزمن الحديث لأنك هجوت شقيقه (الجاهلي): ((جاهليون / ألهاكم التكاثر / وخطب الجمعة.. والمنابر / ومن تكون حين تذكر العشائر / سيدة وأي بطن آخر / وحين حطّ في الأكف طائر / تيبست.. وأخرست المنائر / ويوم مات الطائر / تداعت القناطر)).. أرجو أن تلمس لهم العذر إذ لم تزودهم ببريدك الآخروي الخاص كي يكتبوا عنك وإلا ليس من المعقول أن يكتبوا عن ميت لا يشكرهم؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram