عباس احمد الحداد
ادورد غاليانو (1940- 2015) باحث وروائي وصحفي اورغواياني من ابرز كتاب امريكا اللاتينية. من اشهر اعماله " الشرايين المفتوحة لامريكا اللاتينية " و ثلاثية "ذاكرة النار"، تدور اغلب اعماله حول العلاقات بين الحرية والعبودية والديمقراطيات والدكتاتوريات,
وكتب كتابه "رأساً على عقب " او "مدرسة العالم المقلوب " عام 1998 وترجمه ابرز الاكاديميين والمترجمين عن الاسبانية الدكتور القدير باسم البزاز. للبزاز ما يزيد عن عشرين عملاً مترجماً اغلبها روايات وادب لامريكا اللاتينية فضلاً عن العديد من الدراسات اللغوية والادبية ويقول البزاز " منذ أن بدأت بترجمة كتاب راساً على عقب وانا اكتشف كم في هذا العالم من ظلم وكم فيه من كذب وزيف ". وحسناً فعل البزاز حين وضع مقدمة ترجمته في نهاية الكتاب حيث قال: " عزيزي القاريء. مقدمتي تجدها في نهاية الكتاب, فكل شيء في هذا الكتاب بالمقلوب ".
كل شيء في عالم اليوم مقلوباً، وما عاد الناس في هذه الايام يحترمون شيئاً. في زماننا كان الكل يبجل الفضيلة ويعرف معنى الشرف ويحترم الحقيقة والقانون, اما الان فما عاد الناس يحترمون شيئاً, الفساد نخر جسم الكثيرين إن لم يطل الكل, اما الفضيلة والشرف فما عاد لهما مكان في عالم مقلوب.
كتاب غاليانو يضع الكثير من الامور في وضعها الصحيح, إنه كتاب جديد اصبح اكثر حداثة من اي وقت مضى. لقد انتهى المؤلف من كتابته عام 1998. وبدأ الكتاب بعبارة " سيداتي سادتي. تفضلوا بالدخول الى مدرسة العالم المقلوب. لمتابعة انفاس ابليس التي تضبب الكون. بارك الرب في من رآى وغفر لمن لا يرى. ممنوع الدخول لذوي الحس المرهف والقاصرين ". جمعت كتابات غاليانو بين الشعر والرواية وكتابة المقالة السياسية والاهتمام بالشؤون الاقتصاية والاجتماعية, وتميزت بطرح نوع معين من القصص حاول من خلالها غاليانو أن يضيء زوايا معينة من تاريخ الشعوب لكشف المؤامرت والاكاذيب التي تطرح من اجل مصالح غير مشروعة في عالم بات كل شيء فيه مقلوباً.
اكذوبة اسلحة الدمار الشامل في العراق
في نهاية الثمانينات سلطت وسائل الإعلام الضوء على صدام حسين ومجدته, وحين لمع اسمه نجماً في سماء السياسة الدولية تولت آلة الإعلام الكاذبة مسؤولية إقناع العالم بأن العراق تهديد للبشرية. وفي بداية 1991 أطلقت الولايات المتحدة عملية عسكرية اسمتها (عاصفة الصحراء) بدعم من ثمانية وعشرين بلداً فضلاً عن الجمهور الواسع فغزت الولايات المتحدة العراق تحت حجة أنه غزا الكويت, لقد اجتذب الاستعراض الكبير الذي وصف بأنه أكبر عملية إنتاج في تأريخ التلفزيون, والذي شارك فيه مليون من الكومبارس, وكلف مليار دولار يومياً و اهتمام مشاهدي التلفزيون في العالم ونال أعلى نسبة مشاهدة. اما أسعار بورصة نيويورك فقد حطمت أرقاماً قياسية. كانت حرب الخليج مشهداً بذيئاً استعرضت من خلاله اسلحة متطورة, واهدرت فيه حياة الإنسان وأهينت. فحرب المكائن تلك. التي كانت بطلتها أسلحة موجهة بالأقمار والرادرات والكوممبيوترات, وعرضت شاشات التلفزيون صواريخ جميلة, وقذائف رائعة, وطائرات عجيبة غريبة, وقنابل ذكية تحيل البشر, وبمنتهى الدقة والسرعة, الى رماد. خلفت تلك المأثرة 115 قتيلاً امريكياً. اما القتلى العراقيون فلم يكترث أحد بعددهم, وإن قدر بما لا يقل عن مائة الف.
بعد عدة سنوات وفي بداية 1998 أرادت الولايات المتحدة تكرار المأثرة. ووضعت ألة الإعلام الكبيرة مرة أخرى في خدمة الآلة العسكرية الضخمة, لإقناع العالم بأن العراق بات من جديد خطراً على البشرية. كانت الحجة هذه المرة, هي الأسلحة الكيمياوية. لكن مفتشي الأمم المتحدة لم يعثروا على شيء فأجلت الحرب بانتظار ذريعة أخرى.
كتاب مدرسة العالم المقلوب كتاب يفتح الذهن لما يدور حولنا, انه كتاب استفزازي, فليس من السهل نسيان كل البربرية التي ارتكبها الجنس البشري لقرون والتي لازال يرتكبها كل يوم. ولاينقص من قيمة هذا الكتاب أنه ألف قبل أكثر من عشرين عاماً فالكاتب كتب في نهاية كتابه عبارة تقول " من اراد الاطلاع على التكملة فما عليه الا أن يتابع نشرات الاخبار كل يوم ". وكما توقع المؤلف فبعد خمس سنوات من الإنتهاء من الكتاب عادت الولايات المتحدة في عالمها المقلوب فغزت العراق مرة اخرى واستباحت كل شيء فيه