TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الكاردينال ساكو الرمز والرمز الديني

الكاردينال ساكو الرمز والرمز الديني

نشر في: 17 مايو, 2023: 10:15 م

هادي عزيز علي

في باكورة الحياة البشرية لم يتصور الانسان وجود حياة من دون رمز يؤازره ويعينه على عسف الحياة وجبروتها لذا فقد عاش ملتحفا الرموز التي انشأها وأصبحت الشغل الشاغل لوجوده وفهم ما حوله. مما جعل الدراسات التاريخية للأديان تقول ان الانسان (رمز) حي فضلا عن كونه كائناً تاريخيا،

وقد تجلت العلاقة الوثيقة بين الانسان والرمز الى ظهورعلم يسمى بـ (علم الرموز) وهو أحد الانشطة المعرفية التي تبحث في تعريف الرمز والمواضيع التي يتكون منها ومصادره ومرجعياته والخصائص التي يتسم بها والاسباب الدالة عليه فضلا عن وظائفه ومجالاته المتنوعة العديدة وقد كان الرمز الديني أحد مجالات دراسته حيث انعقدت تلك الدراسات وامتدت من العصر الاغريقي مرورا بتاريخ اوربا الطويل حتى وصل الى دراساتنا الحديثة.

وبالرجوع الى المعارف التي درست هذا الموضوع نجدها قد تناولت تعريف الرمز ومعناه فضلا عن خصائصه، وثمة قامات فكرية كبيرة قد تعاملت في هذا المجال بحثا وتحليلا وتقويما منهم على سبيل المثال لا الحصر (فرويد) و(باشلار) والفرنسي (بيار بورديو) وقد انصب عملهم على موضوع: (الرمز بين محاولات تصنيفه ووظائفه). وقد تناولت دراسات اخرى اهم مقاربات الرمز الديني بدء من الطوطمية وحتى البنيوية التي تناولها ليفي شتراوس فضلا عن الدراسات المتصدية المقاربة التاريخية للاديان من حيث رمزية المركز والزمن المقدس مرورا بالفكر (الخلدوني) والاساس الاجتماعي للدين الاسلامي، فنكون والحالة هذه امام مكاسب معرفية سواء بجانبها النظري ام بواقعها التطبيقي بغية الوقوف على الجانب المعرفي لفهم الرموز الدينية في مختلف الديانات المنشرة في ارجاء المعمورة.

وعند النظر الى المعايير والنتائج التي افرزها هذا العطاء الفكري الثر لمعنى الرمز وخصائصه وفي حدود حياة الانسان ضمن مجموعة دينية لها نظامها وسلوكها وقيمها وهويتها المحددة لها نجد ان الرمز يشكل جوهر الحياة الروحانية وغياب الرمز هنا يعني غياب الهوية، فضلا عن ان تلك الدراسات قد قدمت لنا الحانب المعرفي لمعنى الرمز وخصائصه ووظائفة والشروط المطلوبة لمنحه توصيف (الرمز) اضافة الى مقارباته في الجوانب النفسية والبنيوية والتاريخية والانثروبولوجية وهو بناء مؤسسي لموضوع الرمز عامة وفي جانبه الديني خاصة. وعند تطبيق تلك المعاييروالنتائج والشروط التي تناولتها تلك الدراسات بمنجزها الفكري المشهود وعلى امتداد مسيرتها التاريخية نراها متجسدة وبامتياز في شخصية الكاردنال ساكو باعتباره الرمز الديني الارفع الماسك باقتدار للهوية المسيحية.

ومفهوم الرمز الديني او الشخص موضع التقديس لدى طائفته الدينية من الوجهة القانونية لا يختلف كثيرا عن مفهومه الفلسفي الذي تناولته الدراسات المشار اليها في اعلاه، وان اهانة الرمز الديني فعل يعد جريمة يعاقب عليها القانون. هنا ينهض السؤال التالي "هل ان ما تعرض له الكاردينال ساكو يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات؟ للاجابة على هذا السؤال لابد من تحقق الركن المادي في الجريمة وكذلك الركن المعنوي فضلا عن ركن ثالث هو المشروعية لكي يثبت ان الفعل المنسوب للفاعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون وسوف نقوم بتبيان الأركان المذكورة سلفا بالشكل الاتي:

الركن المادي – ينهض الركن المادي للجريمة عندما يثبت ان الفاعل أطلق اقوال تهين الرمز الديني بخاصة وانه موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفته الدينية او نشر مطبوعات اومخطوطات تسيء الى ذلك الرمز او استعمال وسائل الاتصال الاجتماعي او الاعلامي او التظاهر، فان هذه الافعال وسواها التي تفضي الى اهانة الرمز الديني كلها او جزء منها تشكل الركن المادي للجرائم التي تمس الشعور الديني.

الركن المعنوي (القصد الجنائي) – ان الفاعل يعني الفعل الذي قام به ويقصده اي انه عالم ان الفعل الذي قام به يعد اهانة للرمز الديني وينال من شخصه وكرامته ويحط من قدره وبعبارة اخرى فان الركن المعنوي يعني النية الاثمة المنصرفة الى الاهانة والمخالفة القانون.

ركن المشروعية – وهو ان يكون الفعل المنسوب للفاعل يعتبره القانون جريمة بموجب أحكام المادة (1) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 التي تنص على: (لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه، ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون).

فاذا ثبت للمحكمة ان اركان الجريمة متحققة في الفعل المنسوب للفاعل فيجب والحالة هذه ان يحال الى المحكمة المختصة بغية معاقبته بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 372 من قانون العقوبات وهي الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او الغرامة "وذلك لان الفاعل قد (اهان علنا رمزا او شخصا هو موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية) وهو ما نصت عليه الفقرة (هـ) من المادة المذكورة والتي بموجبها تفرض عليه العقوبة إذا ثبت الفعل المنسوب اليه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram