TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > إهتــــزازات ثقافية

إهتــــزازات ثقافية

نشر في: 17 مايو, 2023: 10:31 م

ياسين طه حافظ

أول الاسئلة: هل هي ثقافة ارستقراطية ان نهتم بجويس وبروست او هوميروس وجورج صاند او بيتهوفن وسواهم من هبات الحضارة، منعتنا عنها اوضاعنا الاجتماعية وبيئات نشأنا فيها، ام ان لنا ثقافة شعبية، وجماهيرية،

بديل ملائمة وملبية لاحتياجاتنا وما نذكره من ذلك الغريب ليس مهما ولا مما نحتاج له؟ لكن ما هي مفردات ثقافتنا الشعبية هذه، اعني ثقافة العمال الكسبة الموظفين الصغار، وامثالهم في الرزق والمستوى؟ هل غير الحكايا والمأثورات، المنقولة والمبالغ بها، والمرويات صحيحها ومشوّهها او محرّفها وغير بكائيات ناس خسروا او مراث؟ وماذا يبهج الناس، يثير قهقهاتهم او تصفيقهم غير ما يبدو تعبيراً عن الاستياء وتفريجاً عن كظم الغيظ، تمثيليات شعبية واشعار تتقصد ذلك ومسرحيات ساخرة ليس شرطاً ان تكون فناً؟ علينا الاقرار ان هذه حاجة ومثلما هي تعبير عن هم واستياء، هي سلوى! ولهذا فبدلاً من التصدي لعيوبها وتخلفها، يجب فهمها والاسهام الثقافي المتخصص بتطويرها او تهذيبها. وللذكاء الفني هنا دور نافع لها وللناس من بعد. فهذه الثقافة الشعبية الخليط، هي الاكثر والاوسع فعلاً واحترامها واحترام ناسها مطلوب.

لكن في هذه الثقافة الشعبية، او الثقافة المحلية السائدة، ما يعطي ثماراً مرة، مايسيء، ما يضر وما يحول دون التقدم المدني والعلمي! وهذا كلام يوجب ان نضع الامور في نصابها فنتاج الاخطاء والجرائم يأتينا من جذورها والامراض منها، ومنها القتل غسلاً للعار منها والعنف مع الاطفال والوحشية في الانتقام والاضرار بممتلكات الدولة والناس ومصادرة حرية آلاخر وامتهانة لعقيدته او لجنسيته.. كل هذه وسواها كثير وراءها ثقافة وثقافة شعبية بعيوبها. ثقافة لم تحظ بتهذيب، الوصايا والمواعظ ليست قليلة، لكنها كما يبدو لاتكفي. والحاجة واضحة الى التدخل في بنية هذه الثقافة الشعبية السائدة ولنا عون جاهز في الاخلاقيات الدينية والنماذج الخيّرة. لن نبدأ من الصفر. هنا يعترضني سؤال، لافتة استنكار. لكن جوانب كثيرة في الحياة الاجتماعية تغيرت. ما سرّ ديمومة تلك الثقافة واعني عيوبها الدائمة التي نحن الان بصددها؟ الا تهجس، الا ترى، "رعاية" غير مرئية لما يجب ان نكون قد تخلصنا منه؟ الا تجد لهذه الثقافة تنظيمات ومراكز رعاية، بل وقوانين تعيش الى جانب قانون الدولة؟ بل تتجاوز قانون الدولة وتفرض "موادها" اللاقانونية، وانها في احوال اكثر هيبة من القانون المدني وناسها اكثر اخافة والناس تتحاشاها وتخشى ما ينالهم منها؟ القانون الرسمي لا يدري ما يفعل مع اجراءاتها، والصحة لا تدري ما تفعل مع العادات غير الصحية من الطعام والموائد والجامعات والمدارس نشكو من تجاوزاتها، لا لانها سيئة جملةً، ولكن فيها عيوباً ولا سيطرة حاسمة عليها وانها في الحقيقة خارج الدولة، ولولا قيمها الاساس المتوازنة واخلاقيات الجماعة، لقلنا انها خارج القانون! لسنا ضد احتياجات الناس وما الفته الجماعات ولكننا ضد ان تكون مؤذية في جوانب منها وان تكون مصدّة اضافية ضد التقدم المدني لهذه الجماعات ولعموم ناس البلاد..

السؤال المضاد، والذي يواجهنا حجة لتلك الثقافة وفي الوقت نفسه ادانة او اشارة لعيب مركزي في الثقافة الحديثة. لماذا لم تفعل، الثقافة الحديثة، وبعد عقود، وبالرغم من شبه إقرار رسمي بها وحضور شعبي نخبوي لتبنيها، لماذا هي بلا نتائج حاسمة؟ والى م يُعزي عجزها حتى الان، هل الى نقص بنيوي فيها ام الى التشكيك بجدية التبني او جدية توظيفها للمصالح الفردية، فليس للفرد الا المراوغة او الحركة المخاتلة بين هذه وتلك؟ نحن نتبنى الثقافة الحديثة ونناصر الفعل الآخر للثقافة السائدة بل نسهم في الفعل احياناً وان لم يكن هذا فهل نلجأ الى التشكيك بمدى ما تحققه الايدلوجيات، وهي قيادية عادة؟ الاحزاب وشعاراتها؟ هل من قضية وطنية تستطيع الوقوف وحدها؟ واية حركة ثقافية تتوالد وتتحرك غير المجتمعات؟ الثقافة لا تنجز فعلاً واسعا، هي تثير، تقلق، تنبه، تعترض، ولكن الحسم يبقى مرجأً، وهذا ما رأينا ونراه حتى اليوم.

وهل السبب محلي فقط؟ اتكون الثقافة السائدة سبباً؟، ولكن هناك ما يوقف التكهن ويقول لنا بصوت صعب وحاسم: هناك قوى عابرة للقارات تجناز امثال هذه المعوقات بل تعبرها غير عابئة بما في طريقها، تاركة للزمن عملية التصفية. وكل ادعاءات الوقوف بوجه تلك القوى، وكل "البطولات" المعترضة...، غير حقيقية، او حقيقية مادياً وفعلها النهائي غير حقيقي. تنتهي المواجهة (ان افترضناها مواجهة) بمساومة العناصر البارزة مما تبقى وباتفاقات على تسريب الطاقة الضد وتعميم الاهداف او احالتها لان تكون جزءاً من كل. وبسبب من هذا المؤثر الخارجي الواسع والمستمر والمتزايد، لا هوية مستقرة، لا حزب مستقر ولا قضية صامدة، ولكنها حفاظاً على الكرامة، "تتطور مع الظروف..

هكذا نحن نعيش زمن الاهتزازات، اللااستقرار وعلى النطاق الفردي، يمكن لراصد "اهتزازات" المثقفين في الدول النامية كما يقال، ان يرى ظاهرة للتردد الفكري و"التمدني" اللاادرية السلبية، والحماسات الثورية التي لاتفارقها فراغات حقيقية، او التلهي بطوباويات تبدو مستهجنة في واقع مثل هذا.

ليس بلا سبب شيوع 1984 لجورج اوروبل في احاديث المثقفين وفيها فكر يعمل مضاداً لفكرين، التقليدي القريب للرجعي والاشتراكي الموصوف بالتقدمي. ثمة ادراك مضمر لايُعلن عنه ان السلام لا يتحقق باطلاق حمامات وان انتصار البروناريا لا يتم بالتصفيق في الساحات، وحتى النضالات الصلبة لا تستطيع غير ان تهتز امام فعل وضربات القوى الخارجية وتياراتها التي لاتؤثر حسب ولكن تغير وتطيح بالكثير في طريقها. وما يتبقى من قليل فللمساومة ولن يتأخر النتائج كثيراً.

نحن اذاً امام حالين واسعين واحد تقليدي مشوب بما يؤذي، بما لايقنع، بما لايتناسب وزمن التمدن والحداثة والقانون، وثقافة اخرى قلقة ولا تبدو قوية حد ان تقاوم. هي تهتز لتستسلم او لتساوم وعملياً هما يعيشان من زاد مشترك، هي ومن تبدو في حال مواجهة معه.

يبقى لنا سؤال اخير ونحن نبحث عن حل: هل نحن بحاجة الى ثوريين جدد، غير تقليدين وغير مشدودين الى اقطاب ثابتة؟ الا خطر هنا من متاهة الفرديات السائبة، المنفلتة او التائهة، او المرنة حد (اللياقة) لتكون وسيطاً جيداً لبقايا الصفقة؟

كل شيء يهتز وحتى ينتهي كل شيء! اما نحن، افراداً في غرف مغلقة، فليس لنا الا التآلف مع الاهتزازات فهي بعض من تحولات " المناخ"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram