TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الثقافة منصة إبداع لخيارات إنسانية

الثقافة منصة إبداع لخيارات إنسانية

نشر في: 20 مايو, 2023: 11:30 م

عصام الياسري

بعد أن اعتمدت اليونسكو في 2001 الإعلان العالمي للتنوع الثقافي وذلك اعترافا بضرورة تعزيز الإمكانية التي تمثلها الثقافة بوصفها وسيلة لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة والتعايش السلمي على الصعيد العالمي. تحتفي اليونسكو في 21 أيار/ مايو من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي.

بهذه المناسبة تحيي سنوياً العديد من الدول ذكرى إنجازات مجتمعاتها الثقافية والتاريخية، وتفسح المجال للتفكير في المشاكل التي تعاني منها، وتلفت الانتباه إلى القضايا المهمة للمستقبل وتحفز الناس على المشاركة بشكل أكبر. كما تحيي ذكرى الشخصيات الشهيرة في بلدانها في مجال العلم والثقافة والفنون والفكر، أيضا الأحداث التاريخية المهمة في حياة شعوبها ومجتمعاتها.. تقيم المعارض والقراءات والحفلات الموسيقية وورش العمل، ويظهر المشهد الثقافي بتنوعه، كيف يوفر التنوع الثقافي للمشاركين مشاريع التنمية والحوار بين الثقافات. وفي الأوقات التي يتعرض فيها التماسك المجتمعي لضغوط متزايدة، يوفر الفن والثقافة منصة للمناقشات والتفاهم والإبداع والابتكار.

ووفقا للمعطيات، فالإبداع والابتكار لهما إمكانات كبيرة للتنمية المستدامة ودفع عجلة التنمية البشرية لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية. أيضا تسلط الضوء على مساهمة العاملين في المجال الثقافي، الفنانين والأدباء والمفكرين، في الحوار بين الثقافات والتعايش المتناغم بين مختلف الناس والفئات الاجتماعية.

لكن نسأل: أين يقف العراق من هذا الحدث في هذا العصر، الذي بات فيه بلد له من بين العديد من الثقافات العالمية في عصور عدة عمق حضاري وثقافي متميز؟ ولماذا ينحدر سبيله اليوم باتجاه نفق مظلم.. وجها لوجه بين زيف الديمقراطية وصراع الأيديولوجيات؟.

كتبت ذات مرة عن فيلم عراقي، فكتب لي أحد الأصدقاء العرب قائلا:

قرأت مقالك وقد أعجبني إصرار الفنانين العراقيين على متابعة عملهم الفني رغم الظروف القاهرة وسيادة العنف واختفاء التسامح بين الأفكار والعقائد المختلفة.

لم يكن صعبا فهم مغزى ودلالات ما كان الصديق يريد الإشارة إليه: فهو كان يشير مجازا وبوضوح إلى مسألتين: الأول مسؤولية المثقف، ونحن نتحدث هنا عن "المثقف العراقي"، الذي يعيش في ظل مشاعة القهر والعوز وفقدان المشهد القيمي والإبداعي في بلاده. وثانيا دور الثقافة التكاملي الذي لا يفصل بين العام والنخبة، وأهميته من الناحية الرمزية، ليس على رقي المجتمع فحسب، إنما الدفاع عن مكانة المثقف ومحاولات الكشف عن حقيقة ما يجري حوله. ما يفسر ذلك باختصار، معنى الثقافة ودورها الحقيقي.

للمثقف في مشواره، كما للثقافة، دورا تفاعليا في تجسيد القيم واحترام الحقيقة داخل المجتمع. يقودني هذا للسؤال هنا: لماذا لا يتمرد مثقفو بلادي "العراق" منذ عقدين على الفساد الثقافي الذي يسود المجمعات الثقافية ويؤثر في تناول الحقيقة؟. في حين لم تحاول أي جهة ثقافية إلا في حالات نادرة تحمل المسؤولية في أدنى حدودها؟ اعتقد، يتوجب على النخبة أن تضع في صدارة ما يجب أن تكتسبه في هذا الاتجاه، أن تعط جميع القضايا الثقافية والفكرية، أهمية استثنائية تشكل منعطفا قيمياً لحماية المسألة الوطنية. لكنها تحدد أيضا، على الأقل، مسار المثقف الحقيقي وأهمية حضوره المتميز في المجالات الثقافية والإبداعية، كمحاولة وجدانية، تثير الاهتمام، ليس أزاء الثقافة والمثقف العراقي وحسب، إنما الشؤون المحيطة ببلاده على الصعيد الداخلي والعالمي، بحيث يصبح جزء من مشروع ثقافي يراد له أن يدوم.

من هنا على المثقف أن يدرك بأن "المعرفة" هي القوة التي تقود إلى الحقيقة، لكن لا يستطيع أن يحمي الحقيقة إلا من يمتلكها. وإذا ما تحدثنا عن دور الثقافة في الشأن العراقي، فعلينا أن نشير: أن على النخبة في مجال الفكر والفن والإعلام، تقع مسؤولية كشف الحقيقة كونها السلطة الجديرة بالمعرفة وتمتلكها. ما يهمنا هنا التأكيد: إن الأجنبي الذي دخل بعد غزو العراق قد حقق الأهداف الاستراتيجية التي جاء والتحالف الدولي من أجلها، وأهمها، هدم الثقافة والعلم واغتيال الفكر وإيقاف نموه.. لكن ما هو الدور الذي ينبغي على المثقف أن يمارسه، وعلى ماذا يرتكز الإعلام العراقي بعد كل ذلك؟. في الدول المتحضرة، تستمد الثقافة والإعلام مصادر قوتهما من حجم تأثيرهما في المجتمع والدولة، كونهما أحد أهم الأركان الرئيسية لبناء الدولة وتقويم مسارها النهضوي. ولا تكتمل النظرة النموذجية لهما كمؤسسات رقابية لها القول والفعل، إلا بوجود حريات حقيقية ومعطيات قانونية تحميها. ومن جانب آخر، تمسك الدولة باللوائح والمواثيق والقوانين التي تحفظ مصادر تلك القوة وحماية حرية العمل، إذ إن كليهما "الثقافة والإعلام" يشكلان أدوات قيمية ضاغطة، يستطيعان التأثير في الحياة العامة على مستوى الدولة والمجتمع. اما في بلد كالعراق فإنهما يفتقران كل تلك المقومات بسبب انزلاقهما سياسيا باتجاه الولاء للأحزاب الطائفية داخل السلطة أو خارجها، الأمر الذي أودى بهاتين المؤسستين لأن تكونا في أغلب الأحوال أدوات غير مستقلة، لا تمتلك إرادة حقيقية لمنفعة المجتمع وإصلاح الدولة ومؤسساتها.

لقد فشلت المجموعات (الثقافية والإعلامية) العراقية على نحو كبير في رسم استراتيجية جريئة. تتناول الأوضاع المتردية في البلاد، وتواجه التحديات التي يعاني منها المجتمع بموضوعية. فتحولت بسبب سيطرة مافيات السياسة على العديد منها، إلى مشاريع تنخر صفوفها الانتهازية والنفاق والتطبيل للأحزاب وقادتها. فيما قل نظير المؤسسات غير الحكومية التي تحرص على تناول الأوضاع العامة للمجتمع ونقل معاناة الناس للرأي العام الخارجي بكل تفاصيله وأحداثه وحيثياته، دون رتوش أو رقيب لمجتمع على ما يبدو غير مهتم بمستقبله كما ليس لديه أي رؤى بديلة. في ظل افتقار مؤسسات إعلامية أو سياسية إلى حد كبير غير جديرة لإثارة اهتمام المواطن والدفع به لتحمل المسؤولية لجعل التغيير ممكناً.

لكن، على ما يبدو، لا الثقافة ولا الإعلام، قادران، لعب مثل هذا الدور لمواجهة القصور والأزمات والأخطاء السياسية التي تعاني منها البلاد في ظل عمليات نهب وابتزاز وانتهازية ونفاق سياسي، يرافقه سوء إدارة الدولة من قبل أحزاب طائفية وقومية شوفينية غير معنية بحرمة الوطن والثقافة على حد سواء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram