ريسان الخزعلي

في الليل ِ

يضيع ُ النورس ُ

في الليل ِ

القارب ُ في الليل ِ

وعيون ُ حذائي

تشتم ُّ خطى امرأة ٍ

في الليل ِ

إمرأة ٌ ليست أكثر َ من زورق

لعبور ِ الليل ِ

يا امرأة َ الليل

أنا رجل ٌ حاربت ُ بجيش ٍ مهزوم

وأخيرا ً..

صافح َ قادتنا الأعداء َ ونحن ُ نحارب

ورأيناهم

ناموا في الجيش ِ الآخر ِ

والجيش ُ يُحارب

والآن َ سأبحث ُ عن مبغى ً

أستأجر ُ زورق

فالليل ُ مع َ الجيش ِ المكسور ِ طويل.

* المقطع الأول من القصيدة *

(1)

يتردد البعض من المعنيين في تقييم تجربة الشاعر الكبير / مظفر النواب / في كتابة الشعر بالفصحى، ويختزل هذا البعض تجربته بأنها تجديدية وتحديثية في الشعر الشعبي العراقي فقط؛ أما نتاجه الشعري في الفصحى فلا يُشكّل منجزا ً ابداعياً يُمكن أن يُشار إليه بأي ملمح ٍ فني ٍّ وجمالي على حد ِّ زعم هذا البعض. ومثل هكذا توصيف يبقى عليل الصدق، كونه لا يتوافر على قراءة معمّقة تأخذ بالاعتبار تفرّد الشاعر في لونه الشعري هذا - الموصوف بالخطابية والتهكّم – وطبيعة تجربته الفكرية / النضالية والتزامه بخط الجماهير المسحوقة ومقارعة الأنظمة العربية المستبدّة. إنه شاعر مواجهه ومصارحة، كتب شعره الفصيح بوعي طبقي انحيازي وبلغة قريبة من الناس ومشتبكة مع أعصابهم، وتشكيلات صوريّة متناوبة بين ماهو واقعي ورمزي ومخيالي. لذاكان قريبا ً جداً من التلقّي بين مختلف الأوساط الثقافية والعامة.

إن َّ شعر / النواب / المكتوب بالفصحى يفوق شعره المكتوب بالشعبي كما ً، ولا يقل أهمية ً وجمالية ً عنه، إلا أن َّ مزاحمته ُ لشعراء الفصحى جعلهم في موقف تبريري حول شعره، كونه تخطّى المسافة التي كانوا يرونها هي الأفق الابداعي القياسي. والنواب غادر العراق عام 69 وأصدر مجموعته الرائدة بالشعبي (للريل وحمد) من لبنان، وقدحققت انتشارا ً ورواجا ً غير مسبوق، إلا أنه أدرك صعوبة استمرار التوصيل بالشعبي في البلدان العربية، فمال لكتابة الشعر بالفصحى وهو المتمكّن منه، ولم يُغادر كتابة الشعر الشعبي، ولكن بحدود معينة؛ كما أنه كان يكتب بالفصحى قبل مغادرته العراق، ولم ينشر في حينه لأسباب وظروف سياسية معروفة.

(2)

نشرت مجلة " مواقف " اللبنانية لصاحبها الشاعر / المفكّر (أدونيس) في عددها الرابع عام 69 قصيدته (قراءة في دفتر المطر)..، وشاع صيت القصيدة في الأوساط الثقافية بصورةعامة، ولفتت الانتباه إليه كشاعر فصحى، ثم جاءت قصيدته الطويلة (وتريات ليلية) لتكون تحوّلاً كبيرا ً في استقبال النواب، شاعراً فصيحا ً، اضافة ً لما تبعها من قصائد كثيرة.

كان لقصيدة (قراءة في دفتر المطر) أصداء واسعة في العراق، وكان السبق لمجلة (الشعر 69) في عددها الثاني تموز 69 في الإشارة إليها. ولأهمية الإشارة، نُثبّت هنا بعض ما جاء فيها:

القصيدة مكتوبة بالفصحى، وهي بشكل عام قصيدة جيدة رغم ما ينقصها من تركيز، وأهم ما يُميزها الحزن والمرارة والإحساس بالغربة كنتيجة لخيبة كبيرة عاناها مظفر. على أن َّ هذا ليس مبرر الإشارة إليها، وأنما المبرر هو أن َّ مظفر قد عُرف بشعره الشعبي، وإن َّ هذه هي أول قصيدة فصيحة ينشرها على حد ِّ علمنا، رغم أننا كنا نعرف قبل هذا أن له شعراً فصيحا ً.

لمظفر جمهور واسع قد يُضاهي جمهور الجواهري والبياتي، إلا أن َّ الأهم من ذلك أنه استطاع أن يكون رأس مدرسة في الشعر الشعبي.

ومن ضمن ما أشارت إليه مجلة شعر 69 بصدد قصيدته الشعبية (جنح غنيدة) وصعوبة أن يفهما العامة:

من هنا نصل إلى أن َّ مظفر مثقف، وشاعر مثقفين ليس غير، وإن َّ تحوّله إلى الشعر الفصيح أسلم وأقرب إلى الصدق مع النفس. إننا نرحب بمظفر الشاعر الفصيح.

(3)

وفي المفتتح الأخير، مظفر النواب شاعر فصحى بالأهمية ذاتها حين كتب الشعر الشعبي...