TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > على فكرة: مئة عام من العزلة.. أو نازك الملائكة

على فكرة: مئة عام من العزلة.. أو نازك الملائكة

نشر في: 22 مايو, 2023: 10:21 م

أحمد الزبيدي

لابن رشد دفنان: الأول في مراكش موطن نفيه،حيث مكث جسده لأشهر عدة، ثم أعيد جسده السجين إلى موطن (حياته) في قرطبة، وبينما يسيرالنعش على دابّته رآه ابن عربي، فيروي مشهد النعش في فتوحاته المكية، يقول:

((ولمّا جُعل التابوت الذي فيه جسده] ابن رشد [ على الدابّة جعلت تواليفه تعادله من الجانب الآخر وأنا واقف ومعي الفقيه الأديب أبو الحسن محمد بن جبير، كاتب السيد أبي سعيد، وصاحبي أبو الحكم عمرو بن السراج، فألتفت أبو الحكم إلينا وقال: ألا تنظرون إلى مَنْ يعادل الإمام ابن رشد في مركوبه؟ هذا الإمام وهذه أعماله)).وحين سار نعش نازك الملائكة،في القاهرة_ موطن هجرتها_ وهناك من أقصى (بوابة العرب الشرقية!) ينظر إليها العراقيون الثلاثة: الشاعر، والناقد، والسياسي.. يروْن كيف يحمل المشيعون المصريون النعش بيد،وتواليفها باليد الأخرى؛ تلك أعمالها الكاملة الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة بأشراف الكبير جابر عصفور.. يوم احتفى بها المصريون وهي على قيد الحياة؛ قبل أن تدشن الرقم مئة بعشرين عامًا! القبر والنشر في موطن واحد! وكلاهما ليس عراقيا!

رحلت نازك الملائكة إلى مصر، التي أحبتها، ورحلت معها أعمالها الكاملة: ريادة الشعر، قضاياها النقدية، أفكارها القومية؛ حياتها المدنية.. تاركة وراءها حزمة من الصراعات حولها: منهم من يعدّها (زائدة) على الريادة الشعرية! ومنهم من يبخس آراءها النقدية، ومنهم من يرد على المتضادين معها بتآلف مع (الأنثى).. رحلت إلى (ماكوندو) بويندا... ومثلما ضيّعت سلطات العراق الكثير من ثرواته، كذلك أضاعت الكثير من مبدعيه.. كلاهما ثروة ضائعة تهاجر ولا تعود؛ وليس لهما من يحمل قلبًا محترقا عليهما سوى الأماني التي تعتلج في نفوس الوطنيين المخبوئين بين دفتي النسيان.

هاجر أول صوت شعري، غيّر عمود الشعر العربي على امتداد تأريخيه السحيق؛ ولأن الشرع القَبَلي يسمح للناقد ذبحها لأنها تجرأت وصاحت صياح الديكة!.. وبعد أن نفض النقاد غبار المقالات العالقة في أقلامهم، و بعد أن اطمأنوا على دفنها (خارج العراق)؛ احتفت الحكومة العراقية الحالية بنازك الملائكة بمناسبة بلوغها الـ (مئة عام من العزلة).. لا أشك مطلقًا من أن المستشار الثقافي الشاعر عارف الساعدي هو من ذكّر الحكومة بها.. إنه واجبه كمستشار وإلا من أين للحكومة معرفة بها وبمئويتها؟.. وكانت من بين المبادرات الجميلة بهذه المناسبة هي تخصيص كلمة يوم الخميس في المدارس العراقية عن نازك الملائكة.. وهي خطوة (رائدة) تضمّ إلى خطوات أخرى تحتفي بالرموز العراقية الكبيرة،..وما ذا بعد؟

أن يحتفى بنازك الملائكة، أو بأمثالها الكبار، لا يعني إقامة مجالس الفرح على أرواحهم حسب وهي بالتأكيد مبادرة جميلة ومحمودة، ولكن السعادة الكبيرة التي تنزل على قلوب الرواد، حين نبادر بتحقيق أمانيهم العتيقة: أن نعمل على تأسيس قيم تربوية نبيلة، أن ننشئ مؤسسات معرفية رصينة، أن نعيد للجامعة هيبتها الأكاديمية، يوم كانت منبرا للتنوير، أن يُحترم المبدع في بلده ولا يفكر في الهجرة منه، أن يجد طبيبا يعالجه من دون أن يساومه على حياته بمبلغ جشع، أن يأمن على عياله في أقل تقدير!! أن يأمن على وطنه في أكثر تقدير.. إذا أردنا أن نحيي نازك الملائكة ونرجعها إلى بغدادها التي شهدت ولادتها وولادة الشعر الحديث فعلينا أن تفسح لها مجالا في أن تُخَلّد في شارع من شوارعها يحمل اسمها وفيه نصب أو صرح يليق بها.. أو أن يعتنى بمكتبتها الشخصية المركونة بالمركز الثقافي البغدادي وتشيّد مكتبة تحتوي على مكتبات الرواد والكبار من المثقفين والمبدعين قبل أن يتلاقفها تجار الكتب.. مكتبة من مختلف المجالات وكأنها (متحف) نتشوف به كتبهم الشاهدة على مرجعياتهم ومصادر معرفتهم؛ ونزورهم في (مكتباتهم) الشخصية بدلا عن زيارة قبورهم التي أبعدتها المنافي.. دعونا نزورهم أحياء في بغداد. بدل قطع التذاكر السياحية.. بغداد تحيا برموزها وأبنائها المبدعين وليس بالسيارات المظللة لـ (للحقيقة).. قد يكون كلامي مثاليّا جدا؛ ولكن دفْن نازك لم ينته بعد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram