TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > البلسم المضاد لاقتصاد الاستبداد

البلسم المضاد لاقتصاد الاستبداد

نشر في: 23 مايو, 2023: 11:23 م

ثامر الهيمص

قيل كثيرا عن التذمر ازاء حالات الفشل, تعبيرا عن رفض مطلق. ولعل افضل ما قيل (ما لا يتطور نحو الاحسن يرتد بالتأكيد نحو الاسوأ), اذ ما لا يتطور يحمل برنامج مشوس ومدنس غالبا ما يكون مبيت جاهز للتسيس ببساطة وبمرونة عالية يسهل التعاطي معها, كون الخيارات بين اما واما فقط. وهذا ما حصل لا قتصادنا كسبب ونتيجة نظرا لاحاديته, وبيد واحدة اي غير متمأسس وعازل للاقتصاد الحقيقي بزراعته وصناعته وقطاعهما الخدمي المباشر.

فقد اسفرت المفاوضات بين العراق وصندوق النقد الدولي على شطب 80% من حجم مديونية العراق الخارجية’ بشرط ان يلتزم العراق بتطبيق برنامج الاصلاح الهيكلي الذي وضعه صندوق النقد الدولي ويتضمن مجموعة من الاجرائات من بينها:

اطلاق حرية التجارة وفقا للتوجه الرأسمالي يتطلب من العراق تحرير تجارته الخارجية والمحلية من القيود والاجراات التي تعرقل السلع والبضائع من العراق الى الدول الاخرى’ وفتح الحدود امام السلع والخدمات المتدفقة الى العراق. ويؤدي هذا الانفتاح غير المخطط الى اغراق السوق العراقية بالسلع الرديئة التي لا تحقق اي منفعة للمواطن وتكلف البلد مليارات الدولارات التي تتسرب الى الخارج بذريعة الاستيراد. ووفقا لما صرح به امين عام مجلس وزراء العراق ان حجم العملة المتسربة باعذار واهية تقدر باكثر من180مليار دولار بين عام 2003 و2012. ولم يخرج من حجم هذا المبلغ بصفة شرعية سوى 5% فقط. (د. عودت ناجي الحمداني / صندوق النقد الدولي ودوره في تعميق ازمة الديون الخارجية للبلدان النامية /(خصوصية ديون العراق) /ص85/ 2014).

من هنا يتحكم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الاقتصاد العراقي الاحادي الذي دخل بشراكة المضطر مع المرابي, ونحن في امام خبراته وفخاخه بموجب قرار مجلس الامن الدولي 1483 وبعد انخفاض اسعار النفط اعلنت الحكومة انها لا تملك الاموال الازمة وهنا تقدم العراق بطلب لصندوق النقد الدولي الذي قدم قرضا بمبلغ (4/2) مليار دولار ومعه البنك الدولي بمبلغ 2مليار دولار والقرض الياباني. لكن من المفيد التذكير ان هذه القروض ليست مجانا. فالصندوق لديه شروط. (حوارات اقتصادية /منشورات مجلة (الثقافة الجديدة) ص17/ العدد 3).

هذه العاهة الاساس الان في الاقتصاد العراقي الاحادي المستبد بنا الان وقبلا وبعدا. فلنبدأ من انفسنا حتى يغير الله امرنا, اي لنضع الاسس التي تتحمل الداخل والخارج اقليميا ودوليا, فما هو المطلوب من انفسنا؟ لا شك انه العدالة لنضمن الاستقرار الامني اذ بدونه حتى المستثمر العراقي لا يجازف, بل يختار الاسهل والايسر من خلال سوق العملة كما ذكرنا اعلاه. فالرواتب الفلكية اولا التي لا تخضع لقوانين العراق وحتي لاي قانون في العالم. بحيث وصل الامر ان يكون بالدولار رواتبهم في السنين الاولى بعد 2003 / المصدر السابق ص18. وهكذا بات الناس على دين ملوكهم. هذا الجرح وبلسمه القانون الموحد لكل عراقي ما دام العراقيين متساوون بموجب الدستور. اذن هذا خط الشروع يا مشرعين.

هذا لكي لا ينقلب عاليها سافلها في البدء حيث كانت الكلمة.

اما الطبقة او الشريحة ام الحاضنة لعالم الاستثناات في الحقوق والواجبات هي شريحة تجار الانفلات الذين باتو شركاء, فهؤلاء لا يلعبون وحدهم كما خطط لهم صندوق النقد الدولي الذي وضعنا بين حانه ومانه, فماليا واقتصاديا الخرجية بيد الحاكم اولا واخيرا فهو الرزاق بعد لباري عز وجل, كما ان عدم الاستقرار المسيس على الاصعدة الثلاث المحلي والاقليمي والدولي اذ لكل يعقوب غايته, لم يجد ساندا له غير الانفلات الاقتصادي الذي شمل بخيراته الجميع الا العراقيين كما تنعكس ببطالة وفقر وفساد وتهريب ومخدرات وتجارة بشر واعضاءه, وما خفي اعظم. كل هذا بتحويل التاجر العراقي الى لاعب تجاري وسيط شريطة تأدية دوره في تحصيل العملة الاجنبية من مزاد البنك المركزي العراقي بأي ثمن وتحت اي ذريعة بما فيها هدر الاستقرار الاقتصادي للعراق وتجفيف موارده المالية (د. مظهر محمد صالح /الاقتصاد الريعي المركزي ومأزق انفلات السوق ص36/ 2013).

هذه الشريحة باتت الان غير مجدي التعاطي معها وينبغي اقالتها كونها عاثت في البلاد فسادا وافساد وحققت اهداف الصندوق والبنك الدوليين للسنوات العشرين المنصرمه, حيث ارتبطت المصالح.

هذا الجرح بلسمه مكلف جدا في ضوء ما حدد اعضاء في البرلمان خمس اليات لاعادة اموال العراق المنهوبة, الاولى عن طريق الانتربول ثم الدبلوماسية واتفاقات الدولة مع الدول الاخرى والثالثة عن الشركات الدولية التي تتابع هكذا ملفات والرابعة عبر التواصل مع الشخص المهرب و الخامسة ان يتم الاعلان عن ان من يدلي بمعلومات عن اموال مهربة تتم مكافئته محددة من المبلغ. (جريدة الصباح ليوم6/ايار /2023) ولكن في نفس الصفحة من الجريدة يقولون (وبينما رأوا ان الحكومات السابقة تخاذلت في هذا الملف, (اشاروا الى ان بعض الشخصيات التي هربت الاموال خارج البلاد ما زالت (متنفذه) الى الان؟؟؟). هذا الجرح البليغ لا يعالجه بسهولة سوى القانون وبالقانون وحده.

ولكن كيف ما دام الدف بيد ناقره, حيث تتلاشى مقترحات واليات البرلمانيين الذين حددوا وهم ليسو خارج الحلبة؟

علينا وكبلسم لا نملك كلفة عملية جراحية فوق الكبرى, مراعات الامر الواقع ليس حسب تصورنا كما نرغب, بل كما هو قائم, فلنمض بالاليات الخمسة ولكن ليس من خلال فلاتر فشلت في حجز المخالفين, وتبديلها بمصفات جديدة لم تتأكل بفعل فاعل, وباضافات ساندة, من الشفافية الى ترسيخ مبدأ العدالة وتدجين الاقتصاد الموازي باذرعته كافة, كونه كان ولا زال متقاطعا وضد نوعي لتنمية مستدامه اذ يختلف بدوافعه واهدافه ولعل اهمها التغريد خارج السرب.

فمؤسسة الفساد بكل اركانها داعمة لاقتصاد مواز لا يلتزم بخطط مركزية ولا بتنمية تشمل البلاد والعباد. فالاقتصاد التنموي الذي يؤسس نفسه خارج صندوق النقد والبنك الدولي وخارج توجها ت الاقتصاد الموازي الذي تغول للفترة المنصرمه لم يعد اسهل التعامل معه الا بدمجه في الاقتصاد الحقيقي رغم ادعائه بذلك اذ النهاية لها جذور في البداية.

فالاقتصاد الرسمي المخطط على مستوى البلد بصناعته وتجارته وزراعته. اذ الاقتصاد الموازي يمتد من تجارة الانفلات التي اسسها صندوق النقد الدولي (والذي منه محليا واقليميا), بل حتى من يزرع ويصنع خارج ورغما عن خطط التنمية المستدامة وصولا الى معرقلي التصنيع الرسمي الذين يتخادمون مع اقتصادات مجاورة خارج المخطط على المدى القريب والبعيد او يقعون ضمن قوائم التهريب والغسيل. ثاني بلسم بعد تغيير انفسنا هو الاقتصاد المركزي للم شتتات وحداتنا الاقتصادية’ لكي نتمكن من لملمة وحدتنا الاجتماعية العراقية, لضمان استقرارنا, كون الوحدة الوطنية هي الضامن الوحيد لكل التنوع العراقي متكاملا اقتصاديا وليس مجرد كيانات وحدها الريع النفطي, كما اثبته تصدير نفط جيهان بموجب قضاء دولي, وهكذا محاولات مناطقية وطائفية تسعى لتأبيد حالة عقيمة كما نرى مشهدها في صراعات الموازنة باجلى صورها, حبا بالهريسة وليس من سميت باسمه. فالذي لا يتطور بعد 20 سنة رغم الضغوط الشعبية’ لا شك انه يتطور نحو الاسوء. يوم لا تنفع معه بلاسم, بل الكي. اخر الدواء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram