((ماذا لو صنع احد ما فيلم رعب جيد؟)) يسأل الفرد هيتشكوك زوجته ألما ريفيل في بداية الدراما الذكية والبارعة لساشا غيرفاسي التي تدور حول صنع فيلم "سايكو". كان ذلك الفيلم هو الذي أجاب، على نحو لافت للنظر، عن هذا السؤال عام 1960، وقصة إبداعه التي يدور حولها هذا الفيلم – المبني على كتاب ستيفن ريبلو (1990)، "الفرد هيتشكوك وصنع فيلم سايكو"، وكتب له السيناريو جون ماكلوغلين – هي في لب قصة زواج، بين عبقري بدين، قبيح و((امرأة نحيفة، أشبه بالعصفور))،التي هي مانحة القوة والثقة لموهبته وحجر الزاوية فيها.
أدّى هنا انتوني هوبكنز، بوجهه الملغد وبطنه المزيفة، وهيلين ميرين التي لا هي نحيفة ولا أشبه بالعصفور، دوري هتش وألما اللذين يظهران علاقة مشاركة سرمدية في الفن والحياة، تتعرض فجأة للتهديد خلال الضغط من الخارج (لا ميزانية)، لكن أكثر من الداخل، بوجه خاص خلال ميل الفرد الموسوس لنجماته الشقراوات، الذي تعبت منه الحمراء الشعر ألما.
يفتتح الفيلم مع هيتشكوك موجها كلامه الينا مباشرة، إسلوب ’الفرد هيتشكوك يقدم...‘ يبدو مغتبطا بالنجاح الكبير الذي حققه فيلم "شمال في شمال غرب"، وهو غير مشغول بمشاريع جديدة. مقدما كاري غرانت في "كازينو رويال" يذكّر مساعدته بيغي روبرتسون (توني كوليت): ((أنا فقط صنعت الفيلم)) مع هذا، يصغي بانتباه شديد، حين يلتقي صدفة الرواية الفرويدية المثيرة "سايكو" لروبرت بلوتش، التي تخيف كل من يريه لها، والتي مع ذلك منحته الأفضلية في حربه الخاصة مع المخرج الفرنسي هنري- جورج كلوزو، الذي جعل فيلمه "الشيطانيون" النقّاد يتحدثون عن ’’هيتشكوكات فرنسيين‘‘ وهراء مشابه.
لكن باراماونت لم تراهن على الفيلم، فاستثمر آل هيتشكوك مواردهم الخاصة، ومع شركة إنتاج أخرى. نحن نراهما في الفيلم، في انسجامهما المنزلي، هما المتزوجان منذ 34 عاماً؛ الفرد في الحمّام يقرأ التايمز، وألما مكسوة بنفس حمالة الصدر والقميص التحتي اللذين سترتديهما جانيت لي في اللقطات الافتتاحية لفيلم "سايكو". ألما جعلت الابيقوري هيتشكوك يتبع نظام حِمية، ويحسّ المشاهد بالمشاكل تخيّم على المكان. يرينا الفيلم كيف يعاني زواجهما، حين تذكّره هي، في خطبة مسهبة مليئة بالتقريع، لائقة بمعلم، بدورها الذي لا غنى عنه في نجاحاته: ((كنت يوما معلمك!))
الوسيلة التي تعجّل بالنفور في علاقة المشاركة بينهما، هي الكشف الأضعف في الفيلم، مشروع سيناريو مع كاتب آخر (داني هيوستن)، أحمق وكديش في عين هيتش. لكن علينا ان نعامله مثل ’ماكغوفن‘ – أداة حبكة – [شيء أو شخصية في قصة، الغرض الوحيد منها هو تقدّم الحبكة في القصة، وتدعى ماكغوفن]. مراحل صنع "سايكو" موصوفة بالتفاصيل من دون رؤيتنا صورة واحدة من الفيلم كاملا. الشيء الأقرب الذي نصل اليه هو عندما يقف هيتشكوك في الردهة خارج صالة العرض في يوم افتتاح الفيلم، مؤديا بيديه بشكل وهمي حركات موسيقار يقود كمانات برنارد هرمان المفعمة بالحيوية؛ لديه تركيبة من تلويحات مايسترو يدوية وحركات طعن قاتل مسعور، حيث الجمهور داخل الصالة يعول ويصرخ على طريقته أثناء مشهد القتل في الدُشّ في الفيلم. إنها لحظة عظيمة لأي شخص يمكن أن لا تطرف عيناه خلال تلك الخمسة والأربعين ثانية الشهيرة، والتي نجح هوبكنز في محاولتها على نحو جميل.
كل الأدوار الأصغر منجزة بشكل دقيق، وبوجه خاص سكارليت جوهانسن في دور جانيت لي، وجيمس دارسي في دور انتوني بيركنز، والأخير تقريبا مشابه بشكل غريب للأصل. لكن الفيلم يحيا ويتنفس من خلال هوبكنز وميرين. يتكل هوبكنز على بضعة تشنجات عضلية لا إرادية في الوجه، وبعض الجراحة الترقيعية المزيفة على جسده، وهو مجرد يعيش الشخصية، شاحبا، مهتاجا، ناظرا بخلسة، بدينا، وأسير يقين لا يتزعزع بموهبته.
ميرين، تضارعه في الأداء، برغم الدور الجاحد والأقل صقلا، والذي وضعت فيه كل ثقلها وقوتها؛ مع ذلك، في النهاية هي البطلة السرّية للفيلم – بالأحرى كلا الفلمين. انس الشقراوات، اتكل على الحمراء الشعر.
عن صحيفة الغارديان
انسَ الشقراوات، اتّكل على الحمراء الشعر
نشر في: 21 نوفمبر, 2012: 08:00 م