TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > موازنة برهان المغامرة

موازنة برهان المغامرة

نشر في: 24 مايو, 2023: 11:31 م

رزاق عداي

ان يكون عجز الموازنة برقم يخالف ويفوق النسبة المتفق عليها بكثير وهي 3%من اجمالي المبلغ المخصص للموازنة السنوية، فهذا الامر يعد من اخطر الامور، فهو بالضرورة يقود الى الدين الخارجي او الداخلي وكلاهما من اسواْ الامور،، هذا على وجه العموم يشمل كل اشكال الاقتصادات في العالم، اما ان يكون اقتصاداً ريعيا لبلد مثل العراق يعتمد على اسعار سلعة متذبذبة حتى على مدى اليوم الواحد، كما انها مرتهنة الى تقلبات سياسية عالمية واقليمية فهذا الامر يصنف في خانة المغامرة.

قانون الموازنة العراقي يعد الاضخم مقارنة مع كل موازنات بلدان المنطقة في حجم المبالغ المعتمدة، بموازاة بنود قانون هي الاخرى على مستوى عال من البذخ خصوصا في الجانب التشغيلي منه الذي يعد اساس ومصدرالخطورة فيما لو تعرضت اسعار النفط الى الهبوط وهذا الامر يعتبر متوقعا تماماً، اذا عرفنا ان من مغذيات اسعار النفط العالمية في السنة الماضية هي استعار الحرب الروسية -الاوكرانية.

فاذا ما ادركنا ان الحروب لا تستمر الى الابد، فما الذي سيفعله العراق اذا ما لعبت الصدفة لعبتها وانهت هذه الحرب الاخيرة؟

ومن المغامرات الاخيرة تغير سعر العملة عن طريق قرارات حكومية مركزية التي قد تحدوها او تتقدمها نزعة سياسية او اهداف نسبية قد تكون حزبية او انتخابية، فالعملة لم تعد الخازنة الرمزية للقيمة الاقتصادية فقط وفقاً للنظريات الاقتصادية الكلاسيكية، فمفوم الراسمال المالي تطور كثيرا في الازمنة الحديثة وبات هناك سوق مالي نقدي مستقل عن النشاط المادي السلعي، كبورصات واسهم وسندات ومضاربات اخرى، فطروحات الاقتصادي الامريكي الحائز على جائزة نوبل (ملتون فريدمان) زعيم مدرسة شيكاغو للاقتصاد، التي فككت ازمة مطلع السبعينات النقدية التي تعرض لها الاقتصاد الراسمالي برمته، مغيرة مجمل المفاهيم ومزحزحة المصطلحات، ومنها مفهوم النقد الذي بات يحوز على قدر من الاستقلال والكيان الذاتي بعيدا عن النشاط الانتاجي، واصبح هو الاّخر يخضع الى تفاعل العرض والطلب في اسواقه الذي ينتج في نهاية المطاف عن سعر واحد لقيمة العملة مقاساً بسعر قياسي، اما في الاقتصادات ذات الملامح المشوهة والمتداخلة بين مركزية القرارات الاقتصادية بصدد تغير سعر العملة من ناحية وتفاعل السوق من ناحية اخرى، فالبضرورة سيكون هناك اكثر من سعر واحد للعملة، وهذا هو ما حاصل في الاقتصاد العراقي اليوم، فخلال اقل من سنتين اقدمت الحكومات العراقية على اجراء تغيرات في سعر العملة العراقية نزولا وصعودا مما ادى الى حدوث تذبذبات في الاسعار، وتشكل سعر حكومي مركزي تعمل بموجبه مؤسسات الدولة، وسعر اخر موازي ناجم عن تفاعل يفرزه السوق، وكل هذه الظواهر من شاْنها ان تخلق اظطرابا في النشاط الاقتصادي وشللاً استثماريا في كافة العمليات الاقتصادية، ناهيك عن فقدان الثقة بالعملة المحلية من قبل الاستثمار الاجنبي.

لقد كانت اغلب الازمات الاقتصادية في القرن العشرين ذات جوهر نقدي انطلاقاً من تاريخ الازمةالتي اطلق عليها - الازمة الكبرى - في عموم العالم في عام 1929 والتي امتدت لثلاث سنوات، وتتابعت بعد ذلك الازمات النقدية بين تضخم تارة وركود حيناً حتى حدثت الطامة الكبرى الاخرى في سنوات السبعينات كما اسلفت، فكانت ذات طبيعة مركبة جمعت بين الركود والتضخم في اّن واحد وفي ظاهرة غير مسبوقة.

وقد شكلت تكرار حدوث الازمات المالية في الدول المختلفة خلال حقبة التسعينات من القرن العشرين ظاهرة مثيرة للقلق والاهتمام،، وذلك نظراً لما صاحبها من اّثار سلبية حادة وخطيرة هددت الاستقرار الاقتصادي والسياسي للدول المعنية، هذا بالاضافة الى عدوى تلك الازمات التي امتدت لتشمل دولاً اخرى، وذلك كنتيجة للانتفاع الاقتصادي والمالي التي تشهده تلك الدول في ظل ظاهرة العولمة، وما ينتج عنها من تزايد في اوجه الترابط والتشابك وعلاقات التاْثر والتاْثير وخصوصاً في مجال النشاط النقدي المتبادل بين بلدان العالم كافة.

أول بعض المسوؤلين الحكوميين الايحاء بان حجم موازنة 2023 سوف يحل الكثير من مشاكل العراقيين اللامتناهية، واكثر الظن ان لو كان حجم الموازنة الف ترليون دولار فان النتيجة لا تختلف عن نتائج الموازنات السابقة، صحيح الوفرة المالية من شانها ان تجعل وضع الحكومة مريحا، ولكن في العراق الوضع يختلف تماما بفضل المحاصصة والفساد اللذان فرغا الموازنات القديمة من اهدافها، كما ان الاجيال الجديدة من اللصوص والفاسدين الرسمين - استطاعوا ان يحققوا طفرة مليارية في عمليات النهب عجزت حتى اكبر المافيات في العالم ان تنافسهم، وميزة هؤلاء الناهبين التي يختلفون بها عن مافيات العالم ان عملياتهم تتم بغطاء قانوني ومشرعن ولا غبار عليه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram