طالب عبد العزيز
لا يكفي قولنا بأنَّ الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ أكثر نصف قرن هي حكومات غبية، لم تستثمر موارد البلاد كما يجب! وما الحملة الايمانية الزائفة التي ابتدأ بها صدام حسين في الربع الاول من تسعينات القرن الماضي إلا الحجر الغبي الاول في معمار تخريب بنية المجتمع العراقي، ومن ثم تبديد ثرواته، وانهاك اقتصاده، وجعل العراقي يتسول الرفاه والحياة المختلفة خارج حدود البلاد.
الغريب في الامر أنَّ الحكومات العراقية تلك لم تسمِّ نفسها حكومات دينية، بالمعنى الذي تتبناه حكومتا السعودية وإيران، إذْ لم يحدث أن قامت حكومة لدينا على اساس ديني، لكنَّ استعمال الدين نظاماً كالذي إِدّْعاه صدام حسين مازال قائماً الى اليوم، وتتم بموجبه كل جريمة، من سرقة المال العام الى الفساد وقتل الآخر الى الخيانة وبيع الوطن للاجنبي، حتى باتت البلاد عنواناً لكل رذيلة.
لم تعرف المملكة العربية السعودية، ذات التركيبة الدينية والاجتماعية المتشددة والمناخ الصحراوي الحار السياحةَ إلا في عهد ولي العهد الامير محمد بن سلمان، الذي تنبه الى عظم المال الذي ينفقه السعوديون سائحين ومصطافين خارج المملكة، ومعلوم بأنَّ السياحة تعني ما تعني في تفاصيلها، التي لن نحتاج لتعدادها، لذا تبنى سياسته الجديدة التي تقضي الاتاحة لمواطنيه التمتع بأموالهم داخل بلادهم، في شكل من اشكال الاقتصاد الناجح، فكانت دور السينما والمسارح ومباني العروض الفنية والغنائية والمنتجعات السياحية وفرصة الحصول على الخمور والنساء ضمن اولويات ذلك، لكنْ ضمن سياسة محكمة، خاضعة لرقابة الدولة.
في زيارتي الاخيرة الى المملكة أخذنا الاصدقاء السعوديون الى أطراف المدينة، بعيداً عن كل عين زائفة، وأمضينا الليل في واحدة من فلل، باذخة الجمال، خرقت حدود الواقع والخيال، وبما لم نحلم به، فالعيش فيها كان قد تجاوز أو كسر أفق التوقع العام، في بلاد كانت تحكمها هيئة الامر بالمعروف. هناك مبنى حديث، بحديقة مختلفة، ومسبح وغرف نوم وأسرة، ومطبخ بمقتنياته كلها، وهناك خمرة غير مغشوشة، ولا مصنّعه محلياً، تخالطها اطايب اللحوم ومختلف الاطعمة والاشربة الاخرى وغير ذلك الكثير والكثير.
ولم يختلف الامر عندي في زيارتي الاخيرة لايران فقد كان كل شيء حاضراً ومتاحاً هناك، وربما فاق ما وجدته في المملكة وعند الاصدقاء. اعتدتُ في سفري أن أنتبذ ركناً، بعيداً عن مجلس الاصدقاء، لأدون اللحظات التي اعيشها، ففي مجالس كهذه يطيب للمرء أن يعقد المقارنات، فأنا تارك في مدينتي (البصرة)كل قبيح وموحش من افعال حكامها، وأراني محقاً في قولي بأنهم اغبياء وجبناء، ففي نقطة الشلامجة كنتُ ولساعة قصيرة قد رأيت قوافل الشباب العراقيين، الخارجين من صيف البصرة الى ربيع الشمال الايراني، باحثين عن حياة مختلفة، يتحدثون عن مغادرة الحدود بوصفها نقطة مختلفة أخرى في حياتهم، بقيت مصغياً لهم فلم تخل مفردات حديثهم من الطبيعة الجميلة والاشجار وعيون الماء وينابيع الخمرة واجساد النساء.
ترى، إذا كان الله قد وهبنا طبيعة قاسية، عارية من الشجر، حارة وجافة وصحراوية.. فمن الواجب على حاكميها التفكير بحياتنا، ووجودنا فيها، وإذا كانوا عاجزين عن تغيير طبيعتها الجغرافية، وهذا ما نجده في سياستهم، فحريٌّ بهم إيجاد هامش مهمل لنا، لا تنوشه القوانين ويد تدينهم الزائف..أمّا أن يجتمع جور الطبيعة وسوء الادارة علينا فتلك والله قاصمة الظهر.