TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الوطن وصراع البقاء

الوطن وصراع البقاء

نشر في: 28 مايو, 2023: 11:36 م

د. أثير ناظم الجاسور

السؤال هنا هل باستطاعة الهويات الفرعية في العراق أن تتخلى عن كونها جماعات بشرية متفرقة وتندمج في هوية وطنية واحدة؟، وعلى عاتق من تقع مسؤولية تحقيق هدف الهوية العراقية الوطنية الواحدة؟.

لابد من التحقق أولا فيما يخص مسالة الهويات وتعددها والتحديات التي تمنع من أن تكون ضمن هوية وطنية جامعة من خلال دراسة الأسباب التي تعمل على إعاقة هذا الهدف، فكون وجود هوية وطنية تذوب فيها كل الهويات الفرعية من خلال الاندماج الوطني فهذا يعكس عملياً فكرة الشعور بالمسؤولية الوطنية، بالرغم من أن مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي أظهرت بشكل واضح قضية معقدة اثبت مفهوم تعدد الهويات التي ساعدت على علوها والحديث عنها بعد غياب دور الدولة والقانون الضابط لكل التحركات والسلوك الصادر من الجماعات من ثم صراعها الذي ساعد على جعل الهوية الوطنية غير قادرة على رسم ملامح شكل الدولة بصورة واضحة، فالتعدد لم يكن وليد لحظة الاحتلال الذي الغى دور الدولة ودعم الفوضى بل هذا التعدد ومحاولة الانغلاق من قبل الجماعات البشرية التي تمثلها كان من قبل حتى تأسيس الدولة في العراق، الذي نعيشه من تعدد أديان وطوائف وقوميات واثنيات اليوم لم يكن عاملاً مساعداً في قوة الدولة على الرغم من أنه كان من الممكن أن يكون مصدر يؤمن فكرة التعايش بين الوان المجتمع، وكانت النتيجة ما عاشه المجتمع العراقي من اختلالات في مدة زمنية كانت الأصعب والأخطر على بقاء الدولة العراقية كدولة متماسكة التي تمثلت بالحرب الطائفية.

مشكلة الانقسام الحاصل في تركيبة معقدة وشائكة عززت من فكرة الانغلاق بين هذه الجماعات البشرية التي تمثل مكونات المجتمع العراقي، فالصراع أو على أقل تقدير الخلاف ليس على المفهوم والممارسات بقدر ما يُترجم إلى تحركات بين هذه الجماعة أو تلك في سبيل أثبات الوجود على حساب الأخر، والانقسام لا يقتصر على جماعة وأخرى بقدر ما هو يمثل اختلال واضح بذات الجماعة التي تمثل نفسها منفردة أو قائدة، بالتالي فالصراع بالدرجة الأساس فكري قبل أن يكون عقائدي تتداخل فيه السياسة مع المصالح الضيقة التي يمثل تحقيقها ديمومة واستمرار لقادتها، فديمومة هذا الانقسام جاءت من حيث توظيف الصراع السياسي بين النخبة المتمثلة بقيادة هذه الجماعات من خلال اتخاذ هويته غطاء له يطرح ذاته من خلال فرض أفكاره، من ثم يعمل على تعزيز فكرة الاحتفاظ بالهوية خوفاً من الأخر الذي يمثل له تحدياً كبيراً، هذه الساحة تم تغذيتها من قبل خطوط تُحاول أن تبين أن فكرة الهوية الوطنية قد تعمل على ابتلاع الهوية الحاضنة للجماعة البشرية التي ينتمي اليها الشخص أو المؤسسة أو الحزب السياسي، بالتالي فقدانها بجمهورها العاطفي بالدرجة الأساس قد تساهم في زعزعة استمراره وبقائه مما يُهدد مكاسبه التي يجنيها من هذا التوجه.

التغذية لم تكن على هامش العمل الهوياتي أو صدفة الاحتلال أو الحفاظ على جماعة ثقافية منغلقة بقد ما أن لهذه الحالة واستمرارها عوامل ثلاث رئيسية تمثلت في :

- العامل الخارجي الذي وجد في الساحة العراقية الجديدة بيئة خصبة بتنفيذ الاستراتيجيات التي تعمل بالضرورة على تحقيق المصالح وفق توظيف جملة من العوامل أهمها دعم بروز الهويات الصغيرة وإعطائها المسوغات الاجتماعية والثقافية والقدسية والقانونية، بالإضافة إلى التدخل من أجل حماية هذه الهويات بمسمى الدين والطائفة واللونية والعرق الخ.... من المسميات التي تُجيز للأخر أحقية التدخل.

- العامل الداخلي وينقسم لأكثر من قسم:

1ــ الأول سار وفق فكرة المظلومية وأحقيته بحكم العراق دون امتلاكه للأدوات التي تساعد على الحكم لا بل سار باعتقاد راسخ أن المرحلة هذه تحديداً هي مرحلة تغيير لصالح هويته التي لطالما عانت من التهميش والاضطهاد.

2ــ والقسم الثاني سار وفق اعتقاد أن السلطة في العراق سُلبت منه على اعتباره الحاكم الرسمي والشرعي لهذا البلد، بالتالي لابد أن يحافظ على ما تبقى من مكاسب بالرغم من شعوره هو أيضاً وبهذه المرحلة بات مهمشا غير قادر على حماية المكون الذي ينتمي له.

3ــ القسم الثالث يرى انه طيلة حكم النظام السابق عانى من تهميش القومية وضاعت مكتسباته حتى قرر أن يغتنم الفرصة للانقضاض على الأرض والثروات وأعتبر أن ما يمر به العراق هي الفرصة الأخيرة التي تساعده على تحقيق مكتسباته السياسية والاقتصادية.

4ــ القسم الرابع وهو الأضعف الذي نادى لعراق واحد جديد لا فرق بين أبنائه الذين لابد من أن يعيشوا تحت هوية واحدة وراية واحدة. هذا القسم يؤمن بالتشاركية والتفاعل مع الجميع ويعمل على تثبيت فكرة الهوية العراقية الجامعة للجميع.

فكرة أن يكون للعراق هوية عراقية لابد من التمييز بين ما هو شخصي وبين ما هو عام من خلال العمل على تأكيد إن للعراق أمة تعمل على تعزيز مكانتها ودولة تحمي الجميع من خلال عمل مؤسساتها المتفاعل مع الجميع، وحتى يكون الحديث عن دولة عراقية بهوية عراقية لا قومية ولا دينية لا بد من أن تكون هناك جدية عالية في زرع مفهوم الانتماء الوطني من خلال المناهج الدراسية التي تُعزز هذا المفهوم، ومن خلال السلوك الحكومي بمختلف الجوانب والتوجهات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram