عبدالله السكوتي لما قتل مصعب بن الزبير في حربه مع عبد الملك بن مروان، وتصافى الجيشان، قال عبد الملك بن مروان لاحد المقربين من مصعب: ماخذل مصعبا الا صحبه، ان اكثرهم قد راسلونا، وعرضوا الطاعة علينا، وكانت رسائلهم تنهال علينا كل يوم، فقال الرجل:
ايها الامير ان كثيرا من صحبك قد كتبوا الى مصعب بمثل ذلك، ورسائلهم محفوظة عندنا، فقال عبد الملك: ائتني بها فجاء الرجل بصرة قراطيس وقال : هذا مايعلمك بكل خفايا رجالك ، فسكت عبد الملك واطرق ثم رفع رأسه وقال : ياغلام الي بالنار وامر باحراق الصرة دون ان تفتح ، ولما اصبحت رمادا ، امر بها فذرّت في الهواء وقال : لاخائن في جيش عبد الملك. هذه الحكاية ربما تعطي درسا بليغا ليس في العفو عند المقدرة ولا في عفا الله عما سلف ، ولكنها درس بليغ في السياسة على اعتبار ان اوضاع الدولة لم تستقر بعد ومايزال عبد الله بن الزبير في مكة ، وحين يثير عبد الملك قضية الخونة ، يكون طريق مكة سالكا للهاربين منه والمنضمين الى جيش ابن الزبير ، مايعني انه سيضيف عدوا جديدا وسيوفا من المفترض ان تكون في خدمته ، هذا كله حدث ابان التغيير عام 2003 ولكن لم يكن سياسيا وانما كان امرا عاطفيا ، وربما البعض اراد حماية البعض الاخر مع ماجرى من تصفيات جسدية ادت الى خروج الكثيرين من العراق فتلاقفتهم الايدي من كل حدب وصوب فكانوا معارضة جديدة للنظام الجديد ، حتى ان كثيرا من الفنانين لم يجدوا عناية كافية ولامجالا ليمارسوا فيه ويواصلوا عطاءهم الفني استقبلوا في الاردن وسوريا والقاهرة ، لنراهم بعد فترة وجيزة وقد وظفوا عملهم باتجاه النيل من التجربة العراقية واتهامها بشتى التهم؛ لقد حدثت ثورات كثيرة ، واكثر منها حدثت حالات مشابهة لما حدث في 2003 ولكن الامر لم يصل الى التصفيات والتهديد ، وانا متأكد ان الكثير من الاطراف كانت تقصد هذا من باب وصم التجربة الجديدة ووصفها انها تعتمد على القسر والقتل والتنكيل ، ومن المؤكد ان هناك لاعبين اساسيين ابان حكم صدام كخط اول ومن ثم يأتي دور الخط الثاني والثالث ، وهؤلاء حظوا بمحكمة نزيهة وعلنية ، والممض في الامر ان الكثيرين ممن يدعون مقارعة تجربة العراق في الخارج كانوا من انصارها، لكن ضرب مصالحهم ، واقالتهم من مناصبهم حدى بهم ان يسلكوا سلوكا آخر ، ومع توفر من يمد يد العون هناك في الخارج ، والاموال التي تصرف من قبل دول عديدة اعطت هؤلاء زخما في العمل السياسي وربما العدواني ضد العراق والذي لم يكونوا يفكرون فيه من قبل. من قبل قلنا ان السياسة فن ، وفن كبير ايضا يحتاج الى الوان متعددة غير الابيض والاسود ، ومن المؤكد ان حنكة السياسي وتمكنه لاتصب في مصلحته الذاتية وانما تصب في مصلحة الوطن ، وانتشاله من منغصات ربما تكبر وتكبر الى ان تصبح جبلا من الاخطاء وبالتالي تصعب معالجتها ويكون الاستسلام فيها خيرا من المضي قدما. السياسة لاتعني بالضرورة المساومات الرخيصة وكثيرا مانرى هذه المساومات في هذه الايام ولكنها تعني التجاوز او المحاسبة بقصد التقويم لكسب اكبر عدد من الناس الى صف التجربة الجديدة حتى لايقول قائل يتظلم ، انني غادرت العراق مضطرا بعد ان رأيت مرارة بقائي ماثلة امامي ويصبح مناضلا جديدا يضاف الى قائمة المعارضين وهو يردد متمسكنا قول الشاعر: سأرحل عن بلاد انت فيها وان جار الزمان على الفقير
هواء فـي شبك ..سياسة
نشر في: 8 أغسطس, 2010: 09:41 م