TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > البطالتين ومن ورائهما؟

البطالتين ومن ورائهما؟

نشر في: 6 يونيو, 2023: 10:54 م

ثامر الهيمص

همّ البطالة بات فاعلا اذ تحول من القوة الى الفعل , كما يجسده الحراك المتواصل منذ سنين , مما يعني ان هناك إنسداداً غير طبيعي, اي عدم التوازن بين كفتي العدالة والمساواة، فالمساواة مكفولة دستوريا على الاقل، من النفط ملك الشعب العراقي،

ونحن دولة نفطية ضمن الدول المصدرة الرئيسية في الاوبك كوننا احد مؤسسيها، والان ضمن المحور التاريخي اوبك بلص الذي انظمت بموجبه روسيا. ناهيك عما يمثله النفط من نسبة في الموازنات التي لم تحقق عدلا او مساواة الى الان. هذه الارضية التي يتحرك عليها الفعلان السياسي والاجتماعي, ومعروف ما كان وسيكون.

فالتشوه الحالي , و كما تقول الموازنة وحسب لجنتها البرلمانية ’هو ما يرسم خارطة طريق ما سيكون كامتداد طبيعي لما سلف .

من عالم هذا الانتفاخ مثلا , ان موظفي التربية ازدادوا بنسبة 525‌% عن موازنة 2021 . في حين لدينا مليوني متسرب من مدارس التربية رغم امتحانات الدور الثالث فكيف يكون حال التسرب عندما نعود للدورين ؟, وان 30 ترليون دينار رواتب الوزارات الامنية وترليون دينار منحة للوقف الشيعي , والعجز زاد بنسبة 125‌% عن اخر موازنة وخدمات للحكومة تكلف 5 ترليون و600 مليار دينار ، اي حوالي 10‌% من اجمالي رواتب الموظفين البالغة ( 59) ترليون دينار. هذا هو الامر الواقع , علينا ان نراه كما هو وليس في ضوء تصورات متشائمة او متفائلة , بكل الاحوال سيما انه هناك احتمالات يدفع بها العمل الرسمي الان والوضع الاقليمي والدولي ,

فبأي مقياس تتم الموازنة فهي اما الدولة اشتراكية او راسمالية او اسلامية ’ في ضوء ماتقدم اننا لسنا قريبين لاي من المناهج الثلاث , لا يمكن الا ان نصفها براسمالية منفلته ريعية بامتياز كهوية , وقد حذر من خطورة الانفلات المتحاصص كارضاء للشركات والمصالح السياسية كبار منظري الراسمالية حذروا من الانفلات, واسلاميا حيث ’ فقد عنصر العدالة محتواه عمليا , واشتراكيا رغم فشل التجارب الرئيسية ايضا رافض للبرالية بكل مناهجها . فقد نبه عالم الاقتصاد هيمان منيسكي الى ضرورة وضع قواعد تنظيم الراسمالية جيدا , لانها تسير بطبيعتها على نحو طريق ( اهوج ) وتصنع التقلبات , وعندما تضغط البنوك والشركات من اجل (الاصلاح) فيجب ان نتأكد من هوية المستفيد من هذه الاصلاحات ’ ويمضي مينسكي الى القول بأن (علم الاقتصاد الذي ينتقد الراسمالية هو الوحيد الذي يستطيع ان يكون مرشدا لسياسة ناجحة في الراسمالية ) . فاذا لم تتوقف السياسة الاقتصادية عن ان تكون اداة يمكن استخدامها لصالح فئة معينة , فسيكون من الصعب على الراسمالية ان تحقق افضل امكاناتها وتزيد رفاهية الجميع . ( توم باتلر – باودون /الاقتصاد /خلاصة اعظم الكتب / ص/ 4/ 2020 ط /اولى ).

نعود للبطالتين ومن ورائها , فعراقيا يمكن تقسيم البطالة الى مقنعة وغير مقنعة ’ والاخيرة هي التقليدية كافراز لطبيعة الراسمالية كما معروف اضافة للتكنولوجيا وافرازاتها في تقليص العمل اليدوي والفكري احيانا سيما واننا نتجه لحكومة الكترونية للجم الفساد والافساد اولا . فالتضخم الاستثنائي الارضائي والزبائني ’ لم يكن باي حال وراءه جنبة الجدوى الاقتصادية او الادارية او العلمية ’ بحيث صرنا نسمع عن 17 دقيقة معدل العمل اليومي للموظف , وان عدد الموظفين بلغ اكثر من اربعة ملايين , وتم تعيينهم من خارج فلتر وزارة التخطيط غير السيادية حالها كحال وزارتي الصناعة والزراعة والثقافة , فمن يرشد راسمالية الدولة ويزودها بالمؤشرات وحدود الانفاق ’ حيث تحولت المالية بدون هذه القنوات الى خزينة للبترودولار لتدفعه للمركزي ,اذ الضريبة ووارداتها لا تشكل رقما محترما في الموازنة . مما عمق دور السلطة النقدية وبات لها استقلالها النسبي كما نلمسه في سوق العملة الان والعلاقة بين الدولار والدينار , لم يستطع البنك المركزي حسم التناقض بين اقتصاد السوق وتطلعاته وفردانيته باتجاه الربح ازاء تطلع الدولة وفردانيتها في البحث عن الربح الاجتماعي , وهي التي تفتقر للرؤية الاقتصادية لحركة النظام الاقتصادي في العراق , فهكذا معادلة معقدة وضائعة جعلت الاقتصاد الوطني والبحث عن حلول لمشكلاته بمثابة سفينة بلا ربان . ( د. مظهر محمد صالح /الاقتصاد الريعي المركزي /ومأزق انفلات السوق / ص/43/ 2013/ ) فالسلطة النقدية ومن ورائها باتت ربان السفينة العراقية ’ كما يجسدها عمليا سوق العملة , وهذه طبيعة الامور مع من له علاقة مباشرة بالسياسة النقديه مع الولايات المتحده ’ اذ هذا نهجها من بداية السبعينات في القرن الماضي عندما ازيح الذهب من عرش تقييم العملات العالمية ’ اذ ان الحل الامريكي يرمي الى ان تجعل من الدولارهو النقد الدولي ’ بكل ما تعني من معنى ’ واستبعاد الذهب من المجال النقدي . ( د. هاشم حيدر/ازمة الدولار /ص170/ 1971/ط/اولى ) هذا النهج منذ اكثر من نصف قرن ولازال فاعلا ولو كموقف دفاعي امام اليوان .

فالنموذج الامريكي في السياسة النقدية لا يحقق الربح الاجتماعي للدولة , وكما نسمع عن معضلة سقف الدين الحكومي الحرج اقتصاديا وماليا ونقديا . فقد مثل الفقراء في امريكا 15‌% اذا ما اعتمدنا المعدل لسنة 2013 سيكون عدد الامريكان الفقراء (47) مليون نسمة ’ وهناك مؤشرات اكثر دلالة على غياب (العدالة الاجتماعية ) ’ وهي ان واحد من كل اربعة امريكان دون سن البلوغ يعيش تحت خط الفقر . ( فؤاد قاسم الامير /الدولار /دوره وتأثيره في اسعار الذهب والنفط والعملات الاخرى ودور العراق المقبل في تسعير النفط /ص356/ 2014).

هذا الفاعل الخارجي بما يتعلق بمشكلة اقتصادنا ماليا اونقديا حيث يتسلط الاخير لما له من بنية تحتية وايديولوجية من خلال الانفلات اللبرالي ’ كما لا يسعه التمدد داخليا بدون شبكة التوزيع التي تمأسست منذ فترة الحصار والحرب مع ايران لتصبح بيروقراطية محترفة الميدان الاستيرادي الاستهلاكي , خصوصا بعد برنامج النفط مقابل الغذاء ’ ليجد نفسه في نتائج نادي باريس بقيادة صندوق النقد الدولي ’ بشروطه في انفتاح وانفلات الاستيراد ليصبح جزء ملحق في النشاط العام للعولمة بعد تعميم النموذج الامريكي اللاتيني ، وايضا بتوجيهات صندوق النقد الدولي .

وهذا ما أهل القطاع الطفيلي ليكون سيد الاقتصاد النقدي من خللا عزل الاقتصاد الحقيقي للعراق ( الزراعة والصناعة ) من خلال استيراد استهلاكي ليغرق ويدمر الصناعة الناشئة والتقليدية وهكذا الصناعة لتدميرها بعد تظافر المرض الهولندي الذي غالبا مايكون بجذور بترولية حيث ترتفع العملة ليصبح الانتاج مكلفا وساند ذلك ودعمه اللبرالية الانفلاتية بالاطاحة بسياجنا الكمركي وصولا للمخدرات , لدرجة ان حتى منتجي العسل العراقي يشتكون من منافسين بالسعر كونه خارج السيطرة النوعية اسوة باخوته من الادوية ومواد الاستهلاك اغلبها خصوصا بعد عدم فحص الادوية اخر سد امام التهرب والتهريب .

فالفاعل الخارجي هو البادئ والفاعل الداخلي هم وراء البطالة بجميع تجلياتها التقليدية والبطالة من خلال تغييب الزراعة والصناعة اولا واخيرا . مما ادى لترهل الجهاز التنفيذي امنيا ومدنيا , كما يظهر من ارقام الموازنة الحاليه والسابقات .

فتعاضد الثنائي( سوق العملة والمستورد) . وبذلك سيكون الاقتصاد الموازي للاقتصاد الحقيقي منافسا شرسا له انيابه المعروفة .

لذا لابد من جدول اولويات امام سلطات القرار لعل اولها الاتفاق من اننا دولة وليست مقاطعه عمليا ’ وفق ابسط التصورات واقصرها , وان العدالة تردم فجوات التساوي عمليا ونظريا . هذه المبادئ ترشدنا لاقتصادنا الحقيقي بزراعته وصناعته بأي ثمن على الاقل وقف نزيف التوظيف وتوجيه دمائه للزراعة والصناعة والتجارة كقطاع خدمات لهما , بمصارفها وتأمينها وطرقها لنربطه بطريق التنمية ،وتحصين حدودنا على الاقل وفق حماية المنتج الوطني وحماية المستهلك اولا ثم الطعام ، اما المخدرات فهذا شأن امني اولا سيما ان رجال الامن لهم حظوة مالية كما نراها في الموازنة , ولا تفوتنا السياحة خصوصا اختصاصنا الاول السياحة الدينية وايضا لهم حظوة في الموازنة الحالية .

اما الخدمات الساندة ينبغي العمل 24 ساعة اذا لم يكن هناك مانع فني خصوصا في المدارس ال10000 الان وهكذا في الصحة للحد من تغول القطاع الخاص في الساحة التي يخليها القطاع العام بشكل مستمر . اما التأمين فانه مرتاح ’ على الاقل في تفعيل شركة ضمان الودائع , لكي تتقدم المصارف المفطومة من ضرع سوق العملة للانصراف بالبحث عن ما تحتت الوسادة العراقية من ترليونات الدنانير لتحريك الاستثمار الذي سيصبح المستثمر غير العراقي سيد الموقف بدونه.

لنرفد كل هذا بالبداية المشجعة لقانون الضمان الاجتماعي والصحي , وصولا للضمان الاجتماعي لاكبر شريحة اجتماعية وهم (سواق التكسي) وما سيشكله صندوق ضمانهم والتأمين على سياراتهم من قفزة نوعية وهكذا عندما تقتدي كل الانشطة غير الحكومية اسوة بنقابة المحامين ومن اقتدى بهم .

هذا التفاعل الخلاق ستكون المؤسساتية فاعلة بحيث لا نحبس الانفاس عند كل موازنة وعند كل هبوط في سعر النفط ’ ونضطر لعملية الاسترضاء بنفخ بالون الدولة اكثر اذ لم يعد بالقوس منزع للاستيعاب وتبعاته وما رافقه من فضائيين وتزوير , وشهادات لا علاقة لها بالاختصاص سوى علاقة زوائد الراتب غير القانونية على الاقل .

وبهكذا فقط سارت قاطرات التنمية لدى الجيران على الاقل حيث ادركو ما لاندركه قبل عقود من الاستقرار ’ فايران وتركيا والسعودية كقرناء لنا صبروا وصابروا كساسة فايران رغم حصار يقترب من نصف قرن تصبح دولة عظمى اقليميا وتركيا كذلك والسعودية مؤخرا انظمت لموكبهم متظافرين . ونحن لا نزال ندفع ثمن الامن القومي الصهيوني من خلال حصار ايران كما ترسمه السياسة الامريكية في مسالة الغاز الايراني لكهرباء الحد الادنى لبلدنا . أهكذا تورد الابل .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القضاء يأمر بالقبض على نور زهير ويمهل الكفلاء 13 يوماً لجلبه

بسبب تعطيل مجلس نينوى.. نائب رئيسه يعلن استعداده للاستقالة!

الأنواء الجوية: انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

عالمياً.. النفط يعود للانخفاض بعد 3 جلسات من الارتفاع

السوداني يبدأ زيارة رسمية إلى مصر وتونس

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram