اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > الخصائص التعبيرية في بورتريهات علي رضا

الخصائص التعبيرية في بورتريهات علي رضا

نشر في: 11 يونيو, 2023: 10:52 م

د. عبدالله الحزقي

عادة ما يرتكز الفنان "على رضا" في رسمه للبورتريهات على جملة من المنطلقات مستهلها العاطفة وختامها التقنية وفيما بينهما الأسلوب الممارساتي لإنشائية العمل التصويري الذي ينتهجه في صياغة ملامح البورتريه..

وبالحديث عن المنطلق العاطفي فالفنان ينتقي شخوصه بفعل حركة قصدية ومنهج اختياري بحيث أنه لا يرسم الوجوه بطريقة عبثية أو عشوائية وإنما يعطي وقته وجهده بكل الحب من أجل لمسة وفاء للشخوص التي يرسمها..لذلك فكل الشخصيات التي ينتقيها علي رضا ويستنطق ملامحها وتفاصيلها ليخرج بها من الصورة الفوتوغرافية الرقمية إلى سحر الصورة التشكيلية الإبداعية، هي في الحقيقة تربطها بالفنان همزة وصل علائقية قد تكون قائمة على الزمالة طورا و قد تكون قائمة على شراكة هووية كالإنتماء للوطن الأم أو الإنتماء للساحة الفنية كنقطة تقاطع بين كل الفنانين التشكيليين..لذلك نجد في بورتريهاته فنانين تشكيليين وأكاديميين ونحاتين و كتاب و شعراء و خزافين و نُقّاد...

أمّا فيما يخص العملية الإنشائية وما يتبعها من أساليب تصويرية، فقد اعتمد علي رضا بشكل أساسي على قلم الرصاص والورق في عملية رسم البورتريهات وربّما يعزى ذلك لبساطة وملاءمة هذه الوسائط ومدى طواعيتها في خدمة جنس تصويري مماثل، فتضفي لدى الفنان شعورا بالأريحية في الاشتغال على موضوع بورتريهاته علاوة عن سرعة الانجاز وسلاسته..ولأن اتخاذ البساطة منهجا في التصوير التي تميزت بها تقريبا معظم أعمال الفنان علي رضا الفنية والتشكيلية على اختلاف وسائط وتقنيات و أساليب تشكيله، إلّا أنها بساطة في حقيقة الأمر غير سهلة، فالبساطة لا تعني الاستسهال، فقد تحتاج بدورها جهدا كبيرا يرتكز أولا على طرافة الفكرة ثم القدرة على استنطاق أمكانات وسائط التشكيل التعبيرية..فالاعتماد على تقنية قلم الرصاص بشكل أحادي تحتاج بدورها إلى توفر إمكانات وقدرات تصويرية إبداعية ووعيا شاملا بقوانين وأساليب كسر حواجز قوانين البورتريه الصعبة والتي تحتاج متمرسا في هذا المجال كي يقدر على مقارعتها واقتناص أسرار التمثيل التي تحاكي بورتريه الشخص المراد رسمه...

وفي هذا الإطار اعتمد الفنان على مرحلة أولية وهي مرحلة ماقبل الإنجاز، وفيها ينتقي بذكاء الصورة الفوتوغرافية للشخص المراد تصويره فيولي أهمية قصوى للوضعية والظلال والنواحي التعبيرية لملامح الشخصية فيخرج من خلال ذلك بالصورة من وضعية الجمود الفوتوغرافي إلى حالة السردية التشكيلية في تجليها التصويري كلوحة بورتريه..فإذا كان من البداهة وجود اختلاف في تقاسيم الوجوه إلا اننا نجد كذلك تنوعا في التقاسيم التعبيرية لشخوصه التي راوحت بين الجدية والبساطة والقسوة (من حيث التقاسيم الشكلية وليس من حيث المعنى) والنضارة والابتسام و الشرود... هذا التنوع تكمن أهميته البالغة والخفية في جعل قائمة البورتريهات أشبه بحقل تعبيري يأخذنا من حالة إلى أخرى دون الشعور بالملل أي أنه انتهج طريقة إبداعية ذكية جعلت فن البورتريه فنا متمايزا مختلفا عن الصورة الفوتوغرافية ذاتها...فغالبا ما تكون الصورة الفوتوغرافية قائمة على نمط روبوتيكي يفرض على الشخص التموضع ضمن وضعية ما تفقده الحس العفوي لتقدم لنا محض بصمة هوية صورية للشخص فحسب..بينما الفعل التشكيلي لرسم البورتريه حتى و إن انطلق من صورة نمطية فوتوغرافية مماثلة إلا أنه يمنحها شيئا من الحياة وبعضا من السحر الذي تقوده جودة التعاطي وخبرة الفنان وحركية خطوطه الإحترافية في استنطاق التفاصيل التي قد لا نلقي لها بالا منذ الوهلة الأولى في الوضع الفوتوغرافي..وقد عمد باحترافية إلى تجسيد لغة العيون علاوة عن لغة الشفاه وحركيتها المتنوعة من بورتريه لآخر...فنجد أنّ كل صورة اختزلت عمق الشخصية في لغة العيون استطعنا من خلالها كمتلقين للعمل استشعار جوانب الشخصية الخفية والظاهرة من خلال دقة الرسم التي لم تترك جزئية إلا و أولتها العناية البالغة بما في ذلك جوهر البورتريه المختزل في "العيون"...هذه الأعين التي قدمت لنا تراجما في جوانب الشخصية لكل بورتريه، رأينا المتأمل كما رأينا المتزن والجاد و لامسنا كذلك الألفة في العيون الضاحكة وأحيانا ما قد يوحي لنا بأتعاب الشخصية ذاتها التي قد تحيلنا على مدى الحس المرهف لها..

وقد اهتم الفنان علي رضا بشكل أساسي في رسوماته على فلسفة التظليل ليخلق بلعبة هذه الثنائية القائمة على التضاد بين الظل و النور انطباعا بالتوهج والحياة في بورتريهاته..فنجد هذه الظلال بارزة وحاضرة بقوة من خلال عمليات التظليل القائمة على تباينات حادة بين العتمة والنور ليحدث كثافة سوداء في مقابل منطقة مضيئة تحملنا على الشعور بالبيئة المتوهجة لعالم الشرق، والتي لا يسعنا انكارها سيما وقد افتتن بها فنانوا الغرب من المستشرقين الذين توافدوا على المنطقة لدراسة الضوء والنور والتوهج والعتمة كما فعل ديلاكروا وغيره...هذه الشمس الساطعة والمتوهجة التي تمسح سطوح الأشياء والملامح والوجوه وتفاصيلها لا يمكن أن يستشعر أثرها إلا من حذق أبجديات بيئته و انتمائه وهي غالبا ما تكون ملكة سادسة كما الحدس، لا يمتلكها إلا فنان مرهف الحس والرؤية والذائقة...هو ذاته الفنان الذي يستطيع أن يكشف للناس جمالية الأشياء التي نعتادها دون أن نراها فعليا...كضباب لندن الذي اعتاده الناس لمئات السنين ولكنهم لم ينبهروا بالضباب الا حين قام احد الفنانين بإنجاز لوحة تشكيلية عن ضباب لندن...هنا نفهم معنى الاعتياد على الشيء دون رؤيته...هذه الرؤية النافذة لا يمتلكها إلا فنان حاذق..لذلك كان علي رضا سعيد يعي جيدا كيف يسلط شمس الشرق العربي على ملامح شخوصه التي تشاركته انتماءها وربما قبسا من طباعها وملكاتها حتى... غير أنّ فنانا مماثلا كعلي رضا لم يكن ليقتصر على منهجية تشكيل واحدة حتى لو كانت الوسيلة قلم رصاص دون غيره...فنجده يخفي أحيانا تلك العتمة المعبرة عن الظلال ليسلط ضوءا مباشرا على ملامح شخوصه فيجعلها كأيقونات منيرة أو قديسين...هذه القدسية مكمنها المحبة الطاغية والكامنة في وجدان الفنان تجاه رفاقه الذين هم في حقيقة الأمر جزء من الذاكرة والذاكرة هي كيان المرء وعنوان اكتمال هويته...يعبر الفنان من خلال ذلك عن لمسة العرفان والوفاء والمحبة باعتبار أن اللجوء لرسم رفاقه ليس في حقيقته سوى ترجمانا لذاكرة القلب.. إنهم هاهنا موجودون.. لا يبرحون الذاكرة كما لن يبرحوا يوما الذاكرة البصرية حين يخلد حضورهم عينيا في أعمال فنية خالدة... لأن الاثر الابداعي أبقى من ذات المبدع و أبقى كذلك من ذوات الذين علقوا في الذاكرة...ولكنه يبقيهم جميعا بطريقة أو بأخرى...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram