TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نحن والصين.. ما بيننا الدارسين

نحن والصين.. ما بيننا الدارسين

نشر في: 14 يونيو, 2023: 11:40 م

رشيد الخيّون

كان الكون كتلتين، الاشتراكيّة والرَّأسماليَّة، الشَّرقيَّة والغربيّة، ومع أنَّ الصِّين الشَّعبيَّة اشتراكيَّة وشرقيَّة، وأكثر سُكان الأرض عدداً، ظلت لزمنٍ دون اعتراف مِن الأمم المتحدة. كان الاعتراف بالصّين الوطنيَّة. دافع بمثال الصِّين أحد المتحمسين للشعر الشَّعبي العراقيّ، لعدم اعتراف شعراء الفصحى، وتضييق السُّلطة على شعرائه في السَّبعينيات، بالقول: «إنَّ عدم اعتراف الأمم المتحدة بالصِّين الشَّعبيّة، لا يعني أنّها غير موجودة»!

على مستوى الأحزاب الشّيوعيَّة، كانت الانشقاقات تحدث على أساس موسكو وبكين، ما أتذكره أنّ أحدهم عُذب، لمعرفة على أيّ نهجٍ يتحزب: السّوفييتيَ أم الصّينيّ؟! فالأخير «الماوي» كان يُشكل خطورةً، لأنّه الأكثر حماسةً وثوريّةً، لارتباطه بما عُرف بالكفاح المسلح.

لم تخلُ سوقٌ من صناعات الصِّين، بأقصى الأرض وأدناها، على ما يبدو هذا ليس مستحدثاً بالصّين، فالجاحظ(ت: 255هـ) يقول: «فأمَّا سُكان الصّين فإنهم أصحاب السَّبك والصِّياغة، والإفراغ والإذابة، والأصبغ العجيبة، وأصحاب الخرط(الحدادة) والنَّجر، والتَّصاوير»(الحنين إلى الأوطان). كذلك ورد في تُراثنا: «الصّين موصوفة بالصِّناعات الدَّقيقة، والتّصاوير العجيبة...»(الزَّمخشريّ، ربيع الأبرار). بهذا الماضي دخلت الصّين بثقة ديارنا.

سمعتُ تصريحاً لرجل الأعمال محمَّد العبار، من مؤسسة «إعمار»، أنّ مؤسسته تستثمر بعشرة مليار(لا أعلم أدرهم أم دولار) في مطار بكين، وفي شركة «أوبر» الصّينيَّة، وسلسلة مقاهٍ تفوق «ستاربوكس» و«كوستا»، وهو يقول بثقة: إنَّ الصّين خلاف أميركا والغرب عامةً، تتقاسم الأرباح مع مَن يعمل، وتضع أمامه كلَّ ما لديها مِن خبرات ومهارات. أتيت بالعبار مثالاً، وإلا الاتفاقيات الكبرى مع حكومات المنطقة في تصاعد.

نشطت المعاهد داخل الصِّين المختصة بتعليم العربيَّة، وبالمقابل نشطت بالمنطقة العربيَّة المعاهد لتعليم الصِّينيّة. كذلك سمعتُ رجل الأعمال راشد الشّامسي متحدثاً عن تواضع الصِّينيين، والحميمية التي يخلقونها في الاجتماعات معهم، بجعل العربية لغة التَّفاوض والاتفاق الرَّئيسيّة، وتجري التَّرجمة إلى الصِّينية، وهم داخل الصِّين.

لم تبق الصّينية تُسمَى «لغة الطَّيور» جهلاً بها، والقصة تتعلق بالشّيخ جلال الحنفي(ت: 2006)، عندما عاد مِن الصّين إلى العِراق، وكان يُعلم الصِّينيين العربيّة، أخذ يتحدث مع زوجته عبر الهاتف بمفردات صينية، كي لا ينساها، وإذا برقيب التَّلفونات ببغداد يدخل على الخط: «ألا تعرف العربيَّة يا شيخ جلال، هل أنت تتكلم بلسان الطُّيور»؟(بصريّ، أعلام الأدب في العراق الحديث)؟!

لم تعدّْ الصّين الأقصى، بعد اكتشاف الأقصى منها، والوسائل التي تدني البعيد وتقصي القريب، فلعظمة «البيان عن تأويل آي القرآن» لأبي جعفر الطَّبريّ(ت: 310ه)، قيل: «لو سافر رجل إلى الصِّين، حتَّى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير، لم يكن ذلك كثيراً»(البغدادي، تاريخ بغداد). أمّا الفقيه ابن حزم الأندلسيّ(ت: 456ه)، فجعلها مادة لقصة حبّ عاشها: «أرى دارها في كلِّ حينٍ وساعة/ ولكنَّ مَن في الدَّارِ عني مغيبُ/ فيا لك جار الجنب أسمع حسه/ وأعلم أنَّ الصِّين أدنى وأقرب»(طوق الحَمامة).

لم ننس قصة عنوان المقال «الدَّار صينيّ»، الذي وطناه باسم «الدَّارسين»، النّبات العجيب بنكهته، وما نقل عنه الأطباء والعشابون القدماء مِن فوائد. بين يديّ كتاب «الطَّبيخ» لمحمَّد بن الحسن البغداديّ(صنفه: 623هـ)، حُقق ونُشر بالموصل(1934)، وجدته تاريخاً لمطبخ بغداد العباسيّة، في أنواع الطَّهي للُّحوم والأسماك والدَّجاج والحلويات، غير أنَّ «الدَّارصينيّ» كان القاسم المشترك بين الأكلات كافة، وأحسب أنّ مصنف الكتاب كان طاهياً وكاتباً، أو ملأه عليه أحد الطُهاة. هذا المسمَّى بالقرفة عند بلدان عدة، كان يأتينا مِن الصِّين عبر طريق الحرير، وما زالت تجارته رائجة.

كم شغلتنا بلاد الدّارصيني(الدَّارسين) بتحريفيتها عن الماركسيَّة اللينينيَّة، وتبين تجاوب اشتراكيتها مع «كونفوشيوسيتها»، أبطل ما كنا نعتبره، عبر التَّلقين، انحرافاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram