طارق الدليمي/السفيرلا شك في أن الاقتصاد السياسي الراهن في العراق لا يمكن أن ينمو وينتعش بدون التدخل المباشر لدول الجوار. هذه الأفكار تطرح يوميا وبطريقة زجلية طريفة وخاصة في الاعلام المحلي في المدن الكبرى والمهمة ومن خلال الترويج لاقامة مشاريع مشتركة بين تلك المدن وبعض دول الجوار.
وهنا تقترن مع هذا التوجه الاعلامي الخاص دعوات مرافقة تبرر مسألة "الاستقلالية" السياسية والادارية للمدينة المحددة، ومجلس ادارة محافظتها، وضرورة عدم تدخل الحكومة المركزية في بغداد في هذه الشؤون الاقتصادية، والمهمة بالنسبة للمحافظة وسكانها.إن هذه العلاقة عضوية جديدة ضمن الإطار العام للوجود الامريكي، وعلى ضوء الخطط العامة التي وضعت من أجل السيطرة الشاملة على العراق. إن البناء الداخلي للوضع الاقتصادي، جوهر دولة "الوكالة"، لا يمكن أن ينهض بدون التشريع العملي، القانوني أو العرفي السائد، لتدخل دول الجوار، وذلك خدمة للمركز الأساسي لهذا الاقتصاد، وعلاقته مع المتروبول العالمي. إن الدور الجديد لاقتصاد دول الجوار في العراق، هو تكويني ضمن صيغة تنمية التجارة "الداخلية" وربطها مع الإمكانات المتوفرة والمراد تحقيقها، وذلك لربط العراق نهائياً مع منظمة "التجارة الدولية" وشبكاتها الاقليمية.إن هذه الثوابت الجديدة، لا يعني أنها تنجز من قبل جميع دول الجوار. ولكن الخصخصة العامة اقتصادياً تؤدي أيضا إلى خصخصة سياسية انتقائية لدول الجوار وتأثيرها العام في مسيرة العملية السياسية ومحاولات الوصول بالحد الأدنى إلى الاستقرار السياسي والأمني في البلاد. وإذا كان ويليام روبنسون من خلال نظريته حول حكم "النخبة" الجديدة والتي تتسلط على "الحكومة" سياسيا وإداريا و"ميليشياويا"، ويتم فرز الوزارات حسب "التكوينات" الاجتماعية والسياسية.فإن المحلل برين فينوكي قد شرح بالتفصيل هذه المحطات الفكرية، وذلك حين فسرّ الدور العملياتي لهذه السلطات الديموغرافية، وكونها أدوات للقمع والنهب وليست حكومات للناس ولتحقيق احتياجاتهم. أما من الناحية العملية، فإن المدن الرئيسية المهمة، ومنها العاصمة بغداد، تصبح بالتقسيمات الكونكرتية وتتجسد في الخرائط اليومية، للبصرة والموصول وكركوك، جغرافية حقول التصفيات والخطوط المشتعلة، وعمليات الهجرة والتهجير، حيث تمت مغادرة البلاد القسم الأعظم من بقايا الطبقة المتوسطة، لتحل بديل لها مؤسسات التدوير الريعي من اقتصاد التهريب والتجارة الدولية والاقليمية الممنوعة. وكما حدث من دور للنخب المتسلطة في ميدان الاقتصاد الداخلي من خلال التنظير السياسي لهذه الماكنة الجديدة ودورها المركزي الحاضن لتشكيل أسس دولة الوكالة، فإن النخب هذه من خلال الثقافة الأكاديمية، لها نفس الامتياز والعضوية في إنجاز هذه المسيرة الفريدة. لنتمعن في هذا القول، مشروع إعادة بناء عراقي، إن دول الجوار العربية منعت العراق من الحداثة والتلاقح مع دول غربية متقدمة، وساعد على ذلك عزلة العراق عن ( البحر) ما شجع المجتمع على التطرف والمغالاة! لذلك فإن الأطروحة الجديدة هي: 1/ العمل الجاد للقضاء على فكرة العمق القومي والمذهبي للعراق. 2/ الاختيار بعناية فائقة الحليف الستراتيجي الجديد، من دول الجوار. إن الدراسة المهمة التي كتبها تشارلز تريب حول العلاقة العضوية بين اقتصاد دول الجوار والتشكيلات الاجتماعية ـ العسكرية للقوى السياسية المهمة في الحكومة الجديدة، تظهر كيف تمت السيطرة على معظم الخدمات، ومنها الكهرباء والمياه، من قبل الميليشيات المسلحة ذات الاتجاه الطوائفي من مختلف الفئات وآلية سيطرة هذه الأجهزة العسكرية غير المنظورة على شرايين الاقتصاد العراقي وعلاقته مع دول الجوار، لا سيما تركيا وإيران. ويسجل جان كوماروف لوحة قيمة حول النتائج المباشرة لاستلام حكومة المحاصصة التي شكلت في عام 2006، وذلك من أجل تحقيق مهام الاحتلال في ميادين بناء السلطة السياسية والسطوة الاجتماعية والمنافع الاقتصادية. ومن خلال آلية معقدة، تشكلت بيروقراطية طوائفية لها مصالح معينة، وعلاقات خاصة، تستفيد من البيروقراطية الوظيفية القديمة والمتقلبة والمساعدة في إرساء علاقات خاصة مع دول الجوار لاستثمار المشاريع غير الإنتاجية، (السياحة والسياحة الدينية مثلاً.يمكن القول على ضوء ذلك، إن هذه البيروقراطية الاحتلالية المركبة، تشمل: 1/ جغرافياً نتاجات التقدم المناطقي والتغلغل الجواري. 2/ المحركات الاجتماعية اليومية ومنها العناصر العشائرية في المدينة والريف، والاستثمار السياسي اللاحق لذلك. 3/ الامتداد الاقتصادي للهيمنة على العقود الجديدة، اتفاقية تركيا مع الحكومة على تصدير غاز البصرة إلى تركيا، وكذلك الاعتماد على دول الجوار للاستفادة المباشرة من قنوات حيوية تهم المواطن وحياته اليومية. مثال: الاعتماد شبه الكامل على دول الجوار في تزويد المخزن الفعلي للبطاقة التموينية وتأثيرات ذلك على تقسيم العمل التجاري الاستيرادي وعلاقته مع الاقتصاد الحر للسوق ودوره المركزي في استتاب السلطة السياسية الطوائفية وحرمان الملايين منها وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني الكاذب والهش ف
"البومة العمياء": الاقتصاد السياسي لدول الجوار في العراق
نشر في: 10 أغسطس, 2010: 08:04 م