بسام عبد الرزاق
تصوير: محمود رؤوف
أقام بيت المدى في شارع المتنبي، أمس الأول الجمعة، جلسة استذكار للخطاط الكبير المعروف هاشم البغدادي، بمناسبة مرور 5 عقود على رحيله، وما تركته مدرسته الخطية من أثر كبير في العراق والمنطقة، سيما وان مناهج الخط المعتمدة في المعاهد والكليات تعمل ليومنا هذا بكراريسه وتعدها المنهج الرئيسي لها في الخط العربي.
الناقد التشكيلي د.جواد الزيدي، فضلا عن ادارته الجلسة، قال ان "بيت المدى عودنا على الاحتفاء بالأسماء الكبيرة والمهمة، واليوم يمثل الاحتفاء مناسبة خاصة وهي استذكار الخطاط هاشم محمد البغدادي وهو عميد المدرسة الخطية البغدادية الجديدة، ويمثل ظاهرة وليس خطاطا فقط، والحديث عنه هو حديث عن الهوية الخطية والمدرسة البغدادية التي تحمل خصائص مختلفة حين نقارنها بمدارس اخرى، مثل المدرسة التركية والفارسية وبالتالي هاشم البغدادي مثل كل هذه الخلاصة رغم رحيله المبكر".
واضاف، انه "لدينا في الاصطلاح الخطي، المدرسة البغدادية الاولى التي كانت في العصر العباسي وبعد انقطاعات معرفية وثقافية بدأت المرحلة الثانية بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1920 وجاءت بأسماء كثيرة وكبيرة، وهاشم البغدادي هو خلاصة هذه المدرسة"، مبينا ان "البغدادي انجز الكثير فيما يخص الكراسة التي تعتبر المنهج الوحيد في كلية الفنون الجميلة، لتعليم الخط العربي من الكوفي الى الرقعة الى الثلث".
الكاتب د. جمال العتابي، قال ان "هاشم البغدادي واحد من عباقرة الخط العربي، فهو ابن خان اللاوند في منطقة الفضل والذي تحول الى اسم مهم واحد معالم بغداد والعراق والعالم العربي، وتمكن هذا الولد الفقير العامل ان يشغل العالم بما قدمه من منجز في هذا الميدان الابداعي، وكل ما يتعلق بتاريخه مكتوب وموثق".
واضاف، انه "في عام 1964 اكملت الدراسة الاعدادية وانا اتمرن على الخط واعتقدت مع نفسي اني اصبحت خطاطا، وفي احدى الاماسي اتجهت الى باب الآغا وكان مكتب هاشم البغدادي في هذا المكان، وجدته وحده وهو منكب على كتابة عبارة الجمهورية العراقية على شعار الجمهورية بعد ان تحول النظام واصبح شعار النظام هو النسر وكان يكتب هذه العبارة، القيت عليه السلام ورد السلام، وعرضت عليه ما عندي من كتابات فقام بتصفحها، كنت اعتقد انه سينهض ويضعني جانبه، بعد ان تصفحها طلب مني ان اتمرن اكثر، ودعته وانا اشعر بخيبة كبيرة، لاني لم احظ باهتمام هذا الاسم الكبير، لكني احتفظت بهذه الوصية وطورت من ادواتي".
وتابع، ان "البلدان تحترم رموزها وتجلهم في الوقت الذي لا يوجد في العراق قاعة او مكتبة او مركز توثيقي باسم هاشم الخطاط، ولدي وقائع كثيرة عن هذا الموضوع وهو لا يخص هاشم انما المبدعين والرموز العراقية الاخرى"، موضحا ان "واحدة من الاحداث حين كنت في دار الفنون التشكيلية، واثناء فعالية بغداد عاصمة الثقافة التي رصد لها ملايين الدولارات، وكان احد المشاريع هو انجاز تمثال في بغداد لهاشم الخطاط وقائمة طويلة من رموز العراق، بقيت هذه القضية مثار جدل واخذ ورد مع امانة بغداد، لكن هذا المشروع لم يتحقق، وكنا نريد ان نضع تمثالا لهاشم الخطاط امام معهد الفنون الجميلة ودارت مراسلات واجتماعات مع امانة بغداد، كان واحد من الاعتراضات على هذا المشروع انه يتعارض مع مترو بغداد من حيث المكان، وتخيلوا ان هذا السبب هل كان حقيقيا ومقنعا ام لا؟".
من جانبه، قال رئيس جمعية الخطاطين العراقيين روضان بهية، ان "هاشم البغدادي قامة كبيرة لا يمكن ان تنسى على الاطلاق، وشكرا لمؤسسة المدى على هذا الاستذكار".
وذكر ان "كراسته المشهورة التي اقتنيتها في يوم من الايام من بائع في شارع المتنبي، وكنت في الصف الثالث المتوسط عام 1968 والكراسة صدرت عام 1961، واذكر الكراسة في طبعتها الاولى ولم يكن فيها اسماء الخطوط، ويبدو انه قد تدارك هذا الموضوع في الطبعات اللاحقة الثانية والثالثة، عرفت انواع الخطوط والذي شدني في هذه الكراسة سر غريب، اقتنيتها وبدأت اتمرن عليها دون توجيه".
وأكمل، انه "لاحقا في المرحلة الاعدادية بقيت اتمرن على القلم الخاص بالخط من دون توجيه لغاية دخولي كلية الفنون الجميلة عام 1972 وكان من المؤمل ان يدرسنا الاستاذ هاشم في الصف الثاني وقد رأيته للمرة الاولى والاخيرة قبل اسبوع من وفاته، حز ذلك بنفسي وكنت قد هيأت دفترا وتمرنت على الكراس واردت ان اريه هذا الدفتر في اللقاء الاول، لكنه توفي قبل ان التقيه".
واشار الى ان "كراسة هاشم البغدادي انتشرت في كل انحاء الوطن العربي والعالم الاسلامي، وهي اول كراسة جامعة لانواع الخط العربي تصدر في العراق وهي تكتسي في وقتها بطباعة جيدة واخرجها بنفسه واعمل فيها ذوقه الراقي على نحو ملحوظ، ثانيا حرص على ان تكون من اعلى مستويات الجودة والاتقان والضبط، ثالثا انها اصبحت مرجعا اساسيا لكل متدرب ودارس لفنون الخط العربي، وقد اعتمدت في معهد الفنون الجميلة وفي كلية الفنون ولغاية الان معتمدة في التدريس".
وبين ان "الخطاط تفرد بميزات ذاتية اهلته ليكون خطاطا مرموقا ومتمكنا بحيث طور من امكاناته الفنية بنفسه واوصلها الى اعلى المستويات من خلال المرحلة التعليمية حيث احب الخط العربي وكرس وقته له منذ وقت مبكر من عمره".
بدوره أكد د.رعد الزبيدي ان "كل فنان مبدع في الخط العربي وفي غير الخط العربي له خاصيتان، الاولى هي المنجز الفني الابداعي، والثانية هي المنجز الحضاري والتاريخي، وعندما نتحدث عن هاشم الخطاط من حيث المنجز الفني اتمه وأكمله وجهزه للأجيال اللاحقة ولكنه هو بدأ بمنجز حضاري تركه لتكمل دوره بقية الاجيال التي اتت بعده".
واضاف، ان "الحديث عن الحرف العربي والكتابة العربية هو حديث ملازم للحضارة الاسلامية والعربية بشكل اخص، والحديث عن الحضارة الاسلامية عميق وحساس وواسع جدا، لان الحرف العربي ارتبط مع الحضارة الاسلامية في مداها الثقافي والجغرافي والفكري، لذلك نجد ان كل خطاط عندما يتعامل مع الحرف، سيما الخطاط الواعي، يستحضر هذا العمق، الافقي والعمودي في قضية الحرف العربي والتعامل معه".
الاستاذ ثائر الاطرقجي، قال انه "بعد الانقلاب التركي على الحرف العربي، دخل الحرف العربي والخط العربي في حالة موت سريري، وبعد ظهور الشاب هاشم الخطاط وحصوله على مركز متقدم بالخط قام بعمل لم يقم به خطاط سابقا، بجمع الاسانيد الخطية التي تفرقت بعد الاحتلال المغولي لبغداد، فأخذ السند العراقي من الملا محمد علي الفضلي والسند المصري من سيد ابراهيم والسند الدمشقي من محمد حسني والد الفنانتين نجاة الصغيرة وسعاد حسني، وبقي ان يأخذ السند العثماني فاتجه الى اسطنبول للحصول عليه، وحين عرض كتاباته على حامد الآمدي اعطاه قصبة وورقة لاستكتابه، اراد منه الراحل هاشم قصبة غير مقصوصة، فأعطاه واحدة ومباشرة سحب سكينة وبراها واراد الكتابة، لكن الآمدي اوقفه وابلغه انه يستحق الاجازة قبل ان يكتب، وهنا حصل على الاسانيد الاربعة الموجودة في العالم الاسلامي".
زين احمد النقشبندي دعا، في ختام الجلسة، الى توثيق اعمال هاشم الخطاط وطباعتها وعرضها في مكان مخصص.