صباح محسنعودة رائعة ومذهلة، للممثل المتمكن الـ باتشينو في الفيلم التلفزيوني المثير للجدل “ أنت لا تعرف جاك” والذي يتناول قصة الطبيب والرسام والشاعر جاك كيفوركيان الأرمني الأصل الحاصل على الجنسية الأمريكية، المناصر لما سميَ “ حق الموت” والخاص بالمرضى الذين يعانون من أمراضٍ غير قابلة للعلاج، ومسألة اختيارهم للخلاص من تلك الآلام عن طريق الموت الطوعي على يد الدكتور جاك والذي لقب أيضاً بـ “ الدكتور موت”
وقد أشرف جاك على الكثير من حالات موت المرضى على يديه تجاوزت الـ 130 حالة مرضية عن طريق جهاز خاص صممهُ بنفسهِ، لينتهي به المطاف الى السجن ليقضي عقوبة امتدت لـ 8 سنوات ونصف كونه قد وصل الى عمر الـ 79 عاماً مما ساعد في تخفيف العقوبة واطلاق سراحه عام 2007، مع امتناع المحكمة العليا الأمريكية عن الإستماع للقضية!كتب سيناريو الفيلم آدم ميزر ووضع الموسيقى له مارسيلوزارفوس باشراف ايفين كلين. وقام باخراجه باري ليفنسون صاحب فيلم “ رجل المطر” 1988 وفيلم “ما حدث للتو2008” وقد عرف عن المخرج ليفنسون ابتعاده عن البهرجة والتزويق في إدارة اغلب اعماله، خاصة الفيلم الأخير ” أنت لا تعرف جاك” حيث قدم اشتغالات قد لا تروق للبعض ممن اعتادوا مشاهدة نوع معين من الأفلام ذات الأبعاد الحركية والبصرية المتداخلة والمدعومة من بعض الأجهزة الرقمية الحديثة والتي تختزل الكثير من عمل وابداع المخرج والممثلين! لذلك عمد ليفنسون على الاشتغالات الباطنية للأحداث، خاصة وأن النموذج المطروح في الأحداث يتمتع بموهبة لا تخلو من غرابة، مع تمتعه بأدواته العلمية كونه طبيب ومواهبه الأخرى في الشعر والرسم والموسيقى، وطبيعته ذات الميل للعلاقات مع أصدقائه وشقيقته الوحيدة التي تدير أعماله، مع مراعاته في إدارة شؤونه داخل البيت وفي إجراء بعض الأعمال الخاصة به في مساعدة المرضى في إختصار آلامهم بقتلهم بشكلٍ مريح!.كان إختيار الممثل الـ باتشينو، له الأثر البالغ في تسويق الفيلم ومحاولة ذكية من المنتج سكوت فيرغسون في زج ممثل عملاق في هذا العمل كي يحقق الغاية من تناول حكاية وصل أثرها الى الرأي العام في أمريكا والعالم. إذ يبدو الـ باتشينو قد هظم الشخصية بطريقة فذة. حيث تداخل التمثيلي بالنموذج الواقعي. كون القصة حدثت بالفعل في مدينة مشيغان الأمريكية وكان بطلها الدكتور جاك كيفوركيان، لا زال يعيش بين أوساط المجتمع الأمريكي.من هنا يأتي دور باتشينو لتسليط الضوء على عمق الشخصية المطروحة ضمن سيناريو محكم وثيمة تدور حول ايمانه بمايراهُ صالحاً وما يراهُ القانون من وجهة نظر جنائية، باعتبار أن الدكتور جاك يساهم في قتل مرضاهُ بطريقة اقناعهم وبعد أن يتم تصويرهم بكاميرا فيدو خاصة بهِ، تقوم شقيقته مارغو بعملية التصوير اثناء إدلاء المرضى بقناعاتهم بعملية قتلهم وتخليصهم من أمراضهم التي ليس لها شفاء! ويقوم أحياناً صديق الدكتور جاك والذي يعمل معه ويؤمن بمشروعهِ نيل نيكول بالتصوير مع ملاحظة إنزعاجهِ أو إشمئزازه اثناء عملية موت بعض المرضى خاصة اولئك الذين تم قتلهم، عن طريق الغاز، بعد سحب رخصة ممارسة الطب من جاك، واستعانته بالغاز وسيلة سريعة للقيام بعملهِ. وهناك الناشطة الإنسانية جانيت غود التي تُصاب بمرض السرطان وبعد أن تكتشف ان الفترة المتبقية لها لا تتجاوز النصف عام ما يضطرها الألم للمثول تحت يدي جاك ليخلصها أيضاً وبنفس الطريقة، من آلامها بالموت طواعية.وكان لوجود المحامي جيفري فيغر أثراً في دفع جاك لمنطقة الغرور في التواصل في عملية قتل المرضى بوسيلة الإقناع ومن ثم لتسجيل اعترافاتهم، ولأن المحامي يتمتع بسمعة وقابلية كبيرة بأقناع رجال القضاء والشرطة بأن عمل جاك إنما يدخل في خانة المساعدة والخلاص من الألم، وينجح اكثر من مرة في هذا الشأن، لكن غرور جاك دفعهُ بعد أن تجاوز امكانيات التحقيق وعدم وصوله لإدانته من طرد المحامي والدفاع عن نفسه أمام القضاء، بعد أن وصل أمر اولئك المرضى لحالة االرفض الشعبي الذي هيمنَ على المدينة وليكون حديث الساعة في محطات التلفزة والإذاعات المنتشرة فيها.. خاصة تلك اللقاءات التي وافق على إجرائها علناً في التلفزيون والإذاعة مما دفعهُ للرضوخ تحت فكرة نجاحه في هدفه معداً ذلك تصريحاً من القانون بالإستمرار في ذلك العمل المروع. والذي لم يؤشر عليه حالة إخفاق قانوني!من هذه الثيمة الرئيسة التي تم الإشتغال عليها في السيناريو والذي أعطى الكثير من المشاهد للبطل الرئيسي للعمل، ولم تكن هناك وعلى طول زمن الفيلم والذي قارب الساعتين دون أن يكون للدكتور جاك حضوراً. وهذا النوع من الإشتغال السينمائي في تقديم شخصية محورية تدور عليها جميع أحداث الفيلم، وليكون وبتصاعد الأحداث هو الرابط الحقيقي لكل تحركات الكادر، وهنا تقع المسؤولية الفنية الكبرى على عاتق هذه الشخصية المحورية في إدارة الأحداث وتسلسلها بطريقة ربط جميع المشاهد بخيط وتحرك هذه الشخصية.وبحسب تاريخ الأفلام التي أنتجت في تقديم شخصية رئيسة ضمن أحداث تتقرب اكثر من الإداءات التمثيلية للمسرح، مما يضطر المخرج للوقوف وراء الكاميرا لاصطياد تلك الحالات العامة في داخل الشخصية والتي دائماً ما تكون من النماذج البشرية المركبة في تعدد انتقالاتها وحسب الصراع الذي يتفجر باطنيا
البحث الباهر فـي الإداءات التمثيلية وسط أحداث تدفع للغثيان!
نشر في: 11 أغسطس, 2010: 07:03 م