ثائر صالح
تحتل الولايات المتحدة الأمريكية مرتبة مرموقة في عالم الموسيقى من جهة الفرق الموسيقية ودور الأوبرا والعازفين الماهرين.
لا نستطيع الحديث عن الموسيقى دون ذكر فرق مثل أوركسترا فيلادلفيا وبوسطن السيمفونية ونيويورك الفيلهارمونية، أو دار أوبرا المتروبوليتان، أو قادة أوركسترا لامعين مثل برنستين أو توسكانيني إن أردنا ذكر القليل من الأمثلة. هذا البلد بناه المهاجرون البيض والصفر والسمر من كل أصقاع العالم، كذلك العبيد الأفارقة في فترة مؤلمة من التاريخ بعرقهم ودمائهم بالمعنى الحرفي للكلمة.
هاجر موسيقيون من ألمانيا، وبريطانيا وفرنسا، من الكاريبي وأمريكا اللاتينية، وزارهم دفورجاك ومالر وآخرون أسهموا في بناء هذه المكانة التي وصلتها أميركا اليوم.
لكن الموسيقى، لحد فترة زمنية قريبة، كانت حكراً على الرجال، ولا بأس إن كان الرجل أبيض. هذا ليس في الولايات المتحدة لوحدها، بل في أوروبا كذلك (الحديث عن الحقل الذي نسميه الموسيقى الكلاسيكية بالطبع). لذلك أعتبر تقديم فرقة شيكاغو السيمفونية في 15 حزيران 1933 عملاً كبيراً لمؤلفة أمريكية (إمرأة) وزنجية الأصول فوق ذلك، حدثاً تأريخياً فائق الأهمية.
فلورنس برايس (ولدت باسم سميث سنة 1887) هي واحدة من أهم الموسيقيين المتحدرين من أصول أفرو - أميركية. ترعرعت في عائلة ميسورة ومثقفة وبانت موهبتها مبكراُ، مع ذلك كان عليها إثبات قدراتها الموسيقية في بيئة معادية تماماً، عندما كان المجتمع منقسماً على حدود الفصل العنصري. درست في كونسرفاتوار نيو انغلاند في بوسطن الذي تميز بطابعه الليبرالي ذلك الوقت وتخرجت سنة 1906. عملت في عدة مدن وفي التدريس في الجامعات بينما استمرت في التأليف، حتى تكلل نشاطها في الحصول على عدد من الجوائز في بداية الثلاثينات، مما أثار انتباه قائد فرقة بوسطن ومديرها الفني، الألماني فريدريك شتوك فاختار السيمفونية الأولى في مي الصغير الفائزة بجائزة عام 1932 لتقدمها الأوركسترا.
كان تقديم العمل للمرة الأولى ضمن برنامج متنوع، مع عمل آخر للمؤلف الأفرو - بريطاني صمويل كولرج تايلر (1875 - 1912) وجون باول (1882 - 1963) في صدفة غريبة لما عرف عن الأخير من ترويج لنظريات التفوق العرقي والفصل العنصري. لاقت السيمفونية الأولى نجاحا كبيراً، فقد امتدحها الصحافة البوسطنية: "عمل خال من العيوب" وكذلك "تستحق أن تتبوأ مكاناً في التراث السيمفوني". ألفت برايس نحو 300 عملاً موسيقيا منها أربع سيمفونيات وثلاث كونشرتات وأعمال اوركسترالية وكورالية وموسيقى متنوعة للحجرة وأعمال بيانو واوركن.
توفيت برايس في 1953 وسرعان ما جرى نسيانها وتناسيها، ولم يجري تقديم أعمالها مجدداً إلا في السنوات الأخيرة، مع عودة الاهتمام بموسيقى الأفرو - أميركيين التي تشكل رافداً مهماً من روافد الموسيقى "الكلاسيكية" الأميركية، لتتبوأ مكانا بين أهم الموسيقيين الأفرو - أميركيين مثل سكوت جوبلين (1868 - 1917) ملك موسيقى الراكتايم، وكذلك "عميد الموسيقيين الأفرو - أميركيين" ويليام كرانت ستل (1895 - 1978) صاحب أول سيمفونية قدمت سنة 1931، وأول أوبرا قدمت في نيويورك.