ايمان محسن جاسمفي خضم النقاشات والحوارات والجلسات المتعددة التي عقدتها الكتل السياسية التي حصلت على مقاعد لها في البرلمان القادم ، كان المحور الأساس يدور حول تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب ولم يطرح مشروع تشكيل معارضة
بسبب غياب هذا المفهوم عن قاموس السياسيين في العراق وكان تركيزهم على مناصب الحكومة التنفيذية بعد أن اطمأنوا إلى مناصبهم التشريعية لهذا نجد باننا في العراق وفي المرحلة المقبلة علينا أن ندفع بمفهوم المعارضة خطوة إلى الأمام ليحتل مكانه الطبيعي بالتوازي مع مفهوم الحكومة ، واعتبار " المعارضة الديمقراطية " التي ولدت من رحم العملية الديمقراطية تمثل حالة جديدة ليس في العراق فقط بل في عموم المنطقة خاصة وان مفهوم المعارضة في العالم العربي يعني فيما يعنية الاقصاء والتهميش ومصادرة الرأي وهذا ما يتجسد بوضوح في ذهنية الكثير من قادة البلاد الذين كانوا معارضين لنظام الدكتاتورية وعانوا كثيرا بسبب الاضطهاد والمطاردة وسلب حقوقهم بما فيها حق الجنسيةوغيرها ، وعلينا هنا وطالما اننا نخطو خطوات جادة في عملية بناء الدولة ديمقراطيا أن نفكر بوجود معارضة داخل البرلمان بدل ان نترك للآخرين من الذين لا يؤمنون بالعراق الجديد من أخذ " دور المعارضة السلبية" وفق مفهوم المعارضة السلبي غير الشرعي والذي يتهم العراق حكومة وشعبا وبرلمان بعدم الشرعية تحت شعارات زائفة وتيارات تنفذ اجندات خارجية وتستخدم العنف الدموي في التعبير عن هذا الرفض ،لأن المعارضة الديمقراطية هي التي كما أشرنا تولد من رحم العملية الديمقراطية وتمثل خيارات شعبية هنا وهناك وبالتالي فانها تكون جزءاً مهماً جدا من نظام الحكم لأنها تراقب اداء الحكومة وأحيانا كثيرة لا تتصيد الاخطاء بقدر ما تصححها و تلتف حول برنامج عام للتغيير الديمقراطي وتنظم ممارساتها وسائل سلمية علنية وصريحة تقوم على مبادىء حرية الرأي والتعبير، فاتحة ذراعيها لاستقبال كافة المنظمات والشخصيات الديمقراطية من أي موقع جاءت. مع التأكيد أن مثل هذه المعارضة تبقى على مسافة واضحة وبينة، وبالتأكيد لو بحثنا في إمكانية تشكيل معارضة داخل البرلمان العراقي القادم سنجد إن القوى السياسية الوطنية المرشحة موضوعياً، لبناء الجسم الرئيس لهذه المعارضة، قوى متنافرة تنحدر من منابت أيديولوجية وسياسية شديدة التعارض، ومعظمها مازال عاجزاً عن التحرر إن لم نقل متردداً في نفض يده من ثوابت فكرية وإيديولوجية عفا عنها الزمن وغدت تتناقض مع جوهر وروح الفكر الديمقراطي خاصة وأن الكثير منها وجد نفسه في المعارضة للفكر الشمولي البعثي الذي كان سائدا في العراق ربما بطريق المصادفة أو كخيار لا بديل عنه. ومن جهة ثانية أزمة الثقة التي تتعمق كثيرا بين صفوف القوى السياسية الساعية لتشكيل الحكومة،وهذه أزمة ثقة مركبة ومزمنة خلقتها معاناة ماض مثقل بالجراح والألم لأننا لا زلنا ننظر للمعارضة على انها (سيئة) ويجب أن نحاربها ! يضاف إلى ذلك اننا لو تمعنا النظر في ايدلوجيات القوى السياسية ونظرياتها وفلسفتها ما بين تيارات إسلامية وعلمانية وليبرالية وقومية لوجدنا انه من السهولة ايجاد خط معارض ينبثق من رحم العملية السياسية ولكن حتى هذا الخط إن وجد فأنه لا يسمح لنفسه بالظهور والجلوس في مقاعد المعارضة لعدم إيمانه بجدواها من جهة ومن جهة ثانية تبعده هذه الخطوة عن مراكز يطمح في الوصول اليها . لأن التجربة الديمقراطية في العراق مازالت قصيرة ومحدودة لم تمكنها من امتحان فكرها وممارستها على أرض الواقع، ويحتاج الأمر إلى فسحة أوسع من الزمن والى فرص تاريخية مناسبة كي تستطيع إثبات وجودها وبلورة وصناعة أحزاب سياسية قادرة على فهم وجهي العملية الديمقراطية واحترام نتائجها بما يؤدي إلى صناعة معارضة حقيقية . من هنا نجد إن المطلوب من كافة القوى والشخصيات التي يعنيها نجاح مشروع العراق الديمقراطي المبادرة إلى تأسيس ثقافة ديمقراطية واعية وحقيقية والاستفادة من تجارب الدول في هضم مفهوم المعارضة، وأكثر ما نحتاج اليه في المرحلة الحالية هو التحرر من قيود الماضي وبهرجة السلطة وأن نبني وعيا جديدا قائماً على ان الديمقراطية ليست وسيلة نسعى من خلالها للوصول والتشبث بالسلطة وانما هي مكسب تحقق عبر صناديق الاقتراع ودفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً لأنجازه .
أية معارضة نريد ؟
نشر في: 12 أغسطس, 2010: 06:21 م