محمد صادق جراد كاتب وباحثغابت ملامح المجتمع المدني الحقيقي عن المشهد العراقي طيلة تاريخه الذي سبق سقوط النظام الشمولي في 2003 حيث شهد دكتاتوريات متعاقبة تتمثل بدولة سلطوية وبشعب مستعبد جميع أفراده رعايا لدى تلك الدولة.
وحتى منظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات حينها لم تكن سوى واجهات للنظام السابق قد جردها من دورها الحقيقي الذي أوجدت من اجله .ويرى البعض إن المجتمع المدني يمكن تعريفه بأنه (الحيز الاجتماعي الأخلاقي بين العائلة والدولة وهو وفق هذا المفهوم يظهر بعد ظهور الدولة ويقوم على سلسلة من الوسائط بين الفرد والدولة مع عدم التخلي عن البنى العضوية الضرورية للحفاظ على موقع الفرد وأهميته بالنسبة للجماعة).فالأنشطة المشتركة وروح التعاون والمبادرة من اجل المجموع, تعد جميعها جزءاً من البنى العضوية لوحدة المجتمع وهي بنفس الوقت جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني الحديث .ولقد جاء المجتمع المدني بهذا المفهوم الحديث مقترنا بالدولة الديمقراطية الليبرالية تحديدا .وهو يعد شرطا حيويا لقيامها ذلك لان الديمقراطية لا معنى لها من دون ناس ديمقراطيين يمارسون حقوقهم بكامل حريتهم وهم طلقاء من قيود العرق أو الدين أو الطائفة أو أي تحزب ضيق لا يتسع لكل هذه المفاهيم . ووفقا لهذه المفاهيم كانت العلاقة معدومة بين العائلة وبين الدولة في زمن النظام السابق حيث كانت العلاقة هي علاقة حاكم ومحكوم ,راع ورعية غابت فيها الحقوق المدنية والشعور بأدنى مستوى من المواطنة لدى الفرد العراقي وذلك لشعوره بضياع حقوقه وعدم حصوله عليها في دولة لم يكن همها خدمة المواطن والسعي لسعادته بمقدار ما كانت مهتمة ببناء مجد وهمي لتاريخ تهاوى بأسرع ما تخيله اقـرب المقربين لهذا النظام. وبعد مرحلة 9 نيسان 2003 ظهرت الحاجة إلى بناء أساس لمجتمع مدني حديث يتلاءم و المشهد السياسي والاجتماعي الجديد حيث أطلقت الحريات وبدأ الترويج لهذا الأمر من خلال الندوات والمؤتمرات التي حرصت على تشجيع الناس على تأسيس المنظمات والتجمعات التي تؤسس لحالة جديدة يجب أن تتلاءم مع حجم التغيير الحاصل في مساحة الحرية والديمقراطية التي فرضت نفسها بمجـرد سقـوط النـظـام الدكتـاتـوري السابـق.وبدأت المنظمات في الترويج للمفاهيم الجديدة ومنها المجتمع المدني الحديث ومفاهيم الديمقراطية والحرية من خلال التوعية وبث الثقافة الجديدة. باعتبار ان هذه المنظمات هي احد ابرز القواعد التي ترتكز عليها النظم الديمقراطية.وكان للإعلام الوطني الحر ومنظمات المجتمع المدني الدور الفاعل في تغيير المفاهيم القديمة المتمثلة بأفكار النظام السابق وأيديولوجياته التدميرية وغرس مفاهيم الحرية والتسامح والديمقراطية في مجتمع دفع الكثير من التضحيات في طريقه إلى الحرية.ولكي نضمن نجاح فكرة المجتمع المدني في دولة الديمقراطية القائمة على أساس المدنية والمواطنة الحقيقية ولكي يتحقق نموذج هذه الدولة لا بد من التأكيد على ربط ضمانات الحرية السياسية بالقوانين والأعراف .وبهذا المعنى فان الحرية السياسية تكمن أولا وأخيرا بالوضعية الأخلاقية للشعب نفسه ومن هذا المنطلق يمكننا القول إن المدنية والمواطنة كليهما مجموع ادوار اجتماعية ومجموعة من الصفات الخلقية لها مكانة قانونية وتعد ملزمة للفرد والمجتمع والسلطة.ومن الجدير بالذكر إن الساحة العراقية شهدت تواجد آلاف المنظمات في مختلف المجالات ولكنها واجهت العديد من المعوقات في طريق عملها لبناء مجتمع مدني سليم .ومن أهم هذه المعوقات قلة التمويل و ضعف الوعي لدى المجتمع في أهمية دور تلك المنظمات لحداثة التجربة وتدخلات سلبية من قبل بعض الجهات السياسية من خلال دعم عدد من المنظمات المؤدلجة من قبلها لغرض توظيفها لخدمة أهدافها السياسية الخاصة والابتعاد عن الأهداف التي وجدت من اجلها منظمات المجتمع المدني وهي أن تكون سلطة خامسة تحافظ على وجود مجتمع مدني سليم يمنح المواطن فيه امتيازات ومؤهلات تمكنه من ممارسة دوره بشكل ايجابي ومؤثر وان تكون لديه الفرصة لاتخاذ القرارات المهمة والصحيحة وان يكون مشاركا فعالا في القرارات العامة وان يمتلك التفكير المستقل وتتوفر له أجواء من الحرية بعيدا عن عوامل القهر والإرغام والتهديد والخوف من السلطة والذي عانى منه المواطن العراقي لعقود طويلة.
منظمات المجتمع المدني والنظم الديمقراطية
نشر في: 12 أغسطس, 2010: 06:22 م