رشيد غويلب

في البلدان التي يسودها الخراب ينظر البعض لبلدان الغرب على انها الجنة الموعودة، ويتذكر الكثير منا حملات الاطراء والمغالطات التي رافقت ترحيب المستشارة الألمانية السابقة ميركل باللاجئين في 2015، والحكايات المختلقة التي عجت بها وسائل التواصل الاجتماعي بشان دفاعها عن تميز رواتب المعلمين، قياسا بالمهن الأخرى، على الرغم ان ذلك ليس من صلاحيات السلطات الفيدرالية، ولا من صلاحيات المستشارة، بل من صلاحيات حكومات الولايات الفيدرالية.

ليس هناك شك في الفارق الكبير بين تطور بلدان المراكز الرأسمالية في الغرب متعدد الجوانب، وبلدان الأطراف المتخلفة، ناهيك عن بلدان ينخرها الخراب والمحاصصة والفساد كما هو الحال عندنا في العراق، ولكن هذا الفارق يجب ان لا يحجب قضيتين أساسيتين دون الوقوع في التطرف المزعوم، الذي يحلو للحالمين بمجتمعات هذه البلدان اشهاره بوجه من يحاول ان يضع الأمور في نصابها: الأول مسؤولية سياسات هذه البلدان، ضمن عوامل أخرى، عن الكوارث التي حلت بالعراق والعانستان وسوريا واليمن وليبيا وبلدان أخرى، والثاني ان كل المواقف والقوانين والسياسات التي تتبناها هذه البلدان إزاء المهاجرين واللاجئين تنبع من مصلحة الرأسمال المهيمن، وان اختلفت درجاتها بين يمين تقليدي وآخر متطرف، بعيدا حتى عن المواثيق والقوانين الدولية التي وقعت عليها هذه البلدان. وكوارث اللاجئين المتوالية في البحر الأبيض المتوسط، التي راح ضحيتها، منذ عام 2013، اكثر من 27 الف من مواطني بلداننا خير دليل على ذلك.

ما دفعني لهذه المقدمة هو مشروع قانون الهجرة الجديد الذي طرحته الحكومة الاتحادية الألمانية، والمبني على شعار: عدد أكثر من "الأجانب الطيبين"، وأقل من "السيئينن".

ولكي نفهم كيف تسير الأمور في هذه البلدان لابد من الإشارة الى بعض المعطيات:

في نهاية عام 2022 كان هناك 1,8 مليون وظيفة شاغرة؛ ووفقًا لتوقعات معهد سوق العمل والأبحاث المهنية في المانيا، سيصبح نقص الايدي العاملة في ألمانيا، بحلول عام 2035 7 مليون عامل. ويتأثر بنقص الايدي العامة قطاع التمريض، والحرف والعمال المهرة، الذي يعد أحد أهم كوابح نمو الاقتصاد الألماني. وفقًا لمسودة القانون الهجرة الجديد، ومن أجل تغطية هذا الطلب المرتفع، يجب الاستفادة بشكل أساسي من الإمكانات المحلية والأوربية، وهذه وحدها لا تكفي: "بالإضافة إلى ذلك، يجب تجنيد مواطني البلدان البعيدة من أجل الهجرة للعمل في ألمانيا ويجب منحهم إقامة قانونية لهذا الغرض".

بعد نقاش ساخن، صوت الأكثرية في البرلمان الألماني، في 23 حزيران الحالي لصالح مشروع قانون هجرة الكفاءات الجديد، والذي يهدف إلى مواجهة النقص. وبحسب وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيسر، فإن مشروع القانون هو "أحدث قانون هجرة في العالم". لكن ما الذي تم اقراره بالضبط؟

تسهيل هجرة القوى العاملة من خارج البلدان الأوروبية، وفق نظام لحساب النقط مشابه للمعمول به في كندا: أي شخص لديه شهادة معترف بها من الدولة في بلده أو لديه ثلاث سنوات من الخبرة المهنية على الأقل، يحصل على ثلاث نقاط كحد أقصى؛ وأي شخص يمكنه إثبات معرفة باللغة الألمانية أو لديه صلة بأحد المقيمين في ألمانيا يحصل على نقاط إضافية؛ الذين لا يتجاوزون سنا معينًا يحصلون أيضًا على نقاط. ويحصل المتقدمون على ست نقاط على الأقل، إذا كانوا يملكون إقامة في أحد بلدان الاتحاد الأوربي، او من خريجي احدى جامعاته. والشرط الأساسي للحصول على التأشيرة هو أن الذين يدخلون ألمانيا يجب أن يكونوا قادرين على تحمل نفقاتهم المعيشية. ويتمكن الحاصل على وظيفة دائمة بعد مرور عام من تمديد تصريح إقامته بسهولة.

يهدف القانون الجديد أيضًا إلى تسهيل هجرة العمال المهرة: من خلال إمكانية الاعتراف بالمؤهلات المهنية في الخارج، بعد الحصول على عقد عمل بسيط. وسيتم تخصيص راتب منخفض للحاصلين على درجة أكاديمية، وليس لديهم خبرة عملية. ويمكن لطالبي اللجوء الذين دخلوا البلاد قبل 29 اذار 2023 ولديهم مؤهلات وفرصة عمل من التقدم بطلب للحصول على تصريح إقامة كعامل ماهر، على ان يسحبوا طلبات لجوئهم، دون الحاجة لمغادرة البلاد ثم تقديم طلب الحصول على تأشيرة عمل من الخارج المانيا، كما هو معروف سابقا.

انتقدت غوكاي أكبولوت، المتحدثة لسياسة الاندماج والهجرة في كتلة حزب اليسار البرلمانية، أن مشروع القانون "يركز بشكل كبير على مصالح المؤسسات الاقتصادية وارباب العمل" وحذرت من "سياسة هجرة لطبقتين". وبحسب أكبولوت، يجب أن يرتكز إصلاح قانون الهجرة على مفردات حقوق الإنسان وتعزيز حقوق المهاجرين. وتشير إلى ان مشروع القانون يهدف إلى تسهيل لم شمل الأسرة، للعمال المهرة فقط. لقد تم تقييد حق اللاجئين في لم شمل الأسرة بشكل كبير منذ سنوات، وأحيانا إيقاف عمليات لم الشمل، على الرغم من أن القانون، يمنح المعترف بلجوئهم هذا الحق..

إلى جانب التغييرات التي تم إقرارها مؤخرًا في الإقرار الأول لقانون اللجوء في البرلمان الأوربي، يشكل مشروع القانون الجديد استراتيجية الهجرة الجديدة للحكومة الألمانية، التي تقوم، وفق وزير العمل الالماني هوبرتوس هيل، على ضمان "إدارة أفضل وفرز أفضل للهجرة إلى ألمانيا"، أي تقسيم المهاجرين الى مفيدين وغير مفيدين. وقال نائب عن الحزب الليبرالي الحر المشارك في الحكومة: المسار الجديد هو أن "الهجرة غير النظامية يجب أن تنخفض، والهجرة النظامية يجب أن تتصاعد".

بينما يهدف قانون العمال المهرة إلى تسهيل الهجرة النظامية للعمال، فإن تشديد قانون اللجوء على المستوى الأوروبي يهدف إلى تقليل عدد طالبي اللجوء قدر الإمكان. في مجلس الاتحاد الأوروبي، وافقت الحكومة الألمانية على مشروع قانون يقضي بضرورة احتجاز عائلات طالبي اللجوء التي لديها أطفال في هياكل شبيهة بالسجون على حدود الاتحاد الأوربي، في إطار ما يسمى بإجراءات الحدود. والان يجب أن يمرر تعديل قانون اللجوء من خلال تفاهم ثلاثي بين المفوضية الأوربية والبرلمان والمجلس الاوربي.