اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > صلاح نيازي دعوة الى تكريمه بأعلى جوائز الثقافة

صلاح نيازي دعوة الى تكريمه بأعلى جوائز الثقافة

نشر في: 2 يوليو, 2023: 11:18 م

د. حسين الهنداوي

سمات عديدة تلفت الانتباه دائما، ومبكرا، لدى الدكتور صلاح نيازي الشاعر والناقد الادبي والمترجم والاستاذ وأحد كبار أدباء العراق والعالم العربي حاليا،

ما يستوجب تكريمه بأعلى جوائز الابداع الادبي لا سيما في هذا الوقت حيث يعاني من وضع صحي قاسٍ. وعن عطائه الثقافي الثر، اتوقف هنا عند ثلاث سمات مميزة، اولها شخصيته العصامية المطبوعة بقوة بنزعتي الاستقلالية والوطنية وكذلك التضحية، وهذه سمة تكاد تكون مغروسة في كيانه، وقد عكسها في مواقف ولحظات يصعب تعداد حتى اهمها وهي تتوزع على مدار حياة زاخرة تمتد منذ ولادته عام 1935 في الناصرية، مدينة الابداع المغامر، حيث اكمل الدراسة التمهيدية قبل ان ينتقل الى الثانوية ببغداد ثم الى دار المعلمين العالية فيها والتي تخرج منها ليعمل أولا في تدريس اللغة العربية ثم معداً ومقدماُ لبرامج ثقافية في الإذاعة العراقية. لكنه فصل من هذه الوظيفة في 1956 لتعاطفه مع مصر خلال ازمة السويس، ليعود إلى نفس العمل من جديد بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958. وفي 1963 تعرض للاعتقال عقب انقلاب 8 شباط الأسود ما اضطره الى مغادرة العراق في العام ذاته مسافرا عبر سوريا فتركيا ومنها إلى لندن حيث استقر فيها منذ ذلك الحين.

وفي لندن بدأ نجم صلاح نيازي يتألق عربيا رغم ما كابده من عوز وحرمان يضاف الى معاناة الاضطهاد والفقد المبكر للأهل كما يخبرنا في رواية سيرته "غصن مطعم بشجرة غريبة" التي تعد واحدة من أجمل وأهم السير المعاصرة لصدقها وثرائها بما تعرض له من وقائع وأحداث شخصية وعامة بأسلوب أخاذ رغم ما اكتنفها من شظف عيش وآلام.

ولئن عُرف صلاح نيازي شاعراً في الاصل مستهلا عطاءه الشعري بمجموعته الأولى "كابوس في فضة الشمس" الصادرة في بغداد عام 1962، فانه لم يترك مجالا ابداعيا في الادب لم يخض غماره فهو الأكاديمي - استاذ في جامعة لندن للغة العربية- والمترجم المجدد وكاتب المقالات النقدية العميقة والمحرر والناشر عبر مجلته "الاغتراب الأدبي" والمتفاعل مع محيطه والحاضر بآرائه الجريئة المتوقدة التي تغرف من خزين ثقافة واسعة تتجاوز الابعاد المحلية الى العالمية بمسؤولية مدهشة وخصب.

النزعة التربوية هي السمة الطبيعية الثانية لديه. وقد عبرت عنها محطات مهمة من تجربة العطاء لديه سواء ما قدمه لتلاميذه وزملائه من خلال عمله الاكاديمي او الصحفي وحتى الإذاعي. وكم سحرنا صوته عندما كان يتدفق واثقا عبر نشرة اخبار إذاعة عالمية او منبر ثقافي او اكاديمي في عاصمة الضباب، وكذلك من خلال فعله الادبي متمثلا خاصة في تأسيسه وادارته وكتابته واعادة تحريره لمقالات مجلة رائدة كمجلة "الاغتراب الادبي" التي كانت بحد ذاتها مؤسسة إبداعية وتربوية بامتياز كما كانت مجلة عطاء ونضال من اجل اعلاء الابداع العراقي خلال تلك الفترة القاسية، فترة القمع والحصارات والحروب المدمرة. وطبعا لا بد في هذا الصدد من تحية ثناء خاصة للكاتبة الروائية سميرة المانع، الجندي المجهول طواعية في صناعة تلك المجلة المتميزة.

السمة الثالثة تتمثل في خصب طاقاته الابداعية المحضة سواء في النقد الادبي الحديث والبحث المعمق والترجمة الأدبية الاكثر تخصصا وابداعا وخاصة في الشعر الذي يحتل فيه صلاح نيازي مكانة رفيعة كأحد أهم الشعراء العرب المعاصرين باعتراف واسع وامين رغم صعوبات النشر والتوزيع.

وعن ترجمته لمسرحية شكسبير الشهيرة "مكبث" وبعد ان يتوقف عند أخطاء هامة وقع بها المترجمون السابقون لهذا العمل يبيّن دواعي ترجمته هذه بقوله: اما مبررات الترجمة هذه فكانت ردة فعل، علي اجتهادات غريبة في الترجمات السابقة، غرابة لافتة للنظر، تضر بشكسبير وبالقارئ العربي في آن واحد.

وحقاً يعرض نيازي نماذج عديدة من الأخطاء في مقدمات وترجمات للمسرحية والتي يعجب القارئ من وقوع البعض ممن هو راسخ في ثقافتنا ومتخصص في مجاله في مثل الأخطاء التي عرض لها الشاعر، كجبرا ابراهيم جبرا مثلا.

اما شعر صلاح نيازي، واقتصر عليه هنا، فيبدو لي ككل، شخصيا وواثقا وقلقا في آن، مقاد بمهارة معلّم مغامر حتى في اثراء لغة مشهودة الطيب اصلا. لكن هذا الكل يظل في وجهه الآخر متعاليا وغامضا وعصيّا عبر توقه المدهش الى تهميش الانفعالي والعابر والمعتاد مستفيدا من حرية كبيرة في استدراج اللقطات الحسية والاحتفاء بها قبل اعادة صهرها لتكون أجزاء أصلية في بنائه الخاص.

والاهم وربما الاجمل في عالمه الشعري المثقل بخبرات وثروات ونزوات شتى، انه لا يعدنا بشيء ثابت سوى انحيازه الكلي الى لحظاته الجمالية المتعددة التي تجمع بين عمق وشمولية استلهام ادبنا العربي الكلاسيكي كي لا اقول القديم، وبين نزعة حرة وعالمية الانتماء بشكل متجدد مدافة بإصرار خفي على تجريد الاشياء من محمولاتها التراجيدية المباشرة ومن الرتابة، تاركا للشعر وحده حرية التعالي والكشف، وللرأس مهمة الهيام على الوجه في عالم ما من شيء ثابت فيه الا الصحراء ولا شيء يشبه شيئا لدى صلاح نيازي الشاعر الذي دجن غربته بالتماهي معها، موقنا بان النهايات قد تكون مباغتة بأسرع مما نأمل وعابثة بالفطرة:

احمل الصحراء اينما حللت

الشمس ثابتة

الجهات ثابتة

الصمت دوي ثابت

لكن التغير هو الشغف الآخر في لحظات تجربة يحرص صلاح نيازي ان يراها صوفية من جانب ومحكومة بغنى التناقض من جانب آخر، لكنها تبدو للناظر زائغة منه لتظل محكومة بغنى التناقض الذي يخترق قصائده الاخيرة طولا وعرضا، علانية وخفية، ليمنحها طابعها غير المعتاد:

الهواء يتغير

الماء يتغير

وحتى التراب

وهكذا، ف"الميلاد والموت"، "الشيخوخة والبرعم"، "النور والظلمة"، "مأتم مضى ومأتم قادم" و"أعمق الحزن واعمق الفرح".. هي بعض مسارح الصراع التي تتوحد في عطائه الشعري كما عبر عنها بقوله في مجموعته "ابن زريق وما شابه":

"الحركة حياة ولو كانت في نسغ لا ترى

الحركة اكتمال ولو ادت الى شيخوخة

الحركة بركة.."

وقد يصعد هذا الشاعر بالهم الشعري الى مراتب اعلى بإتجاه مطلقية ما في هذه الوجهة:

"هذياني: حريتي

لا تبلغ حريتي كمالها، الا اذا بلغ هذياني كماله

لذتي ان اسمعني

ان تشتد مشادتي مع نفسي

انا وانا،

متصلان منفصلان في آن واحد"

وهكذا فكلما اوغلنا في شعره، كلما تفتحت لنا مكنونات اخرى متصادمة، ومكنونات عراقية تحديدا، كما لو ان صلاح نيازي مأخوذ بالتنقيب عن النفس الى ابعد حد في مدار العودة الى جذور محلية وكونية في آن، فيما يحرص على اعلاء الجمال دائما متنقلا ما بين الرومانسية والانطباعية، التجريدية والحسية، البصرية والسمعية والرؤيوية، يقترن بالاستعانة بالطريقة العمودية العربية التي راكمها باعتناء بالغ، وبالاستفادة من إيقاع الموشحات والاسلوب القرآني وكذلك الافادة من التراث العراقي، لا سيما الاسلوب االسومري في نفس الوقت. ولكنها مختزنة بعناية لديه ومتفجرة في ذات الوقت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram