TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مستقبل إستراتيجية مكافحة جائحة الفساد

مستقبل إستراتيجية مكافحة جائحة الفساد

نشر في: 3 يوليو, 2023: 11:28 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن رسم أستراتيجية شاملة مؤثرة وفاعلة لمكافحة جائحة الفساد حددت في قمة أولويات البرنامج الحكومي للسيد محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء العراقي. ففي تصريحات للسيد السوداني لسكاي نيوزعربية أشار إلى " انه يرى أن الفساد هو التحدي الاول في العراق، وأن مشكلة الفساد في السنوات الماضية تتمثل في أنه كان محميا من الناحية السياسية، وهذا ما منع الحكومات السابقة من العمل على أجتثاثه".

مضيفا " أن حكومته تتخذ الاجراءات لمواجهة الفساد المستشري في العراق عبر مؤسسات الدولة والقانون، مؤكدا ضرورة الا تتم مواجهة الفساد بطريقة إنتقائية أو لأغراض تتعلق بتصفية حسابات ضيقة مع خصوم سياسيين". لاشك أنها أقوال جريئة في الطرح تحمل معها أمكانية صناعة أو بلورة سياسات فاعلة ومؤثرة مضادة للفساد إذا ماعززت فعليا بإجراءات تنفيذية، تشريعية، قضائية وإعلامية تترجم المفاهيم، النظريات والسياسات إلى واقع حياتي معاش معه ستنتشل حياة المواطنين من المعاناة المزمنة إلى آفاق تحمل بشائر الخير للعراق ولشعبه الصابر المحتسب. لتطبيق إستراتيجية ناجعة لمكافحة الفساد علينا ان نقر بإن دول العالم المتقدمة، النامية والصاعدة في مسار النمو تتأثر سلبا بظاهرة الفساد وتداعياتها الخطيرة على الامن الانساني كما وتنحدر بنوعية ومستوى الحياة (سياسيا، اقتصاديا وإجتماعيا، ثقافيا، بيئيا، وجيوسياسيا). علما بإن الدول الفقيرة والمحرومة أو الهشة مؤسسيا مقارنة بالدول الصناعية المتقدمة لاتزال تعاني الشيء الكثير من تنامي، تراكم وتعقد أزمات إنسانية مستدامة لاقبل لها بمواجهتها تتمحور حول مخاطر الفساد الذي ينخر في جسد الدول الضعيفة أو غير المتماسكة مجتمعيا - سياسيا بضمنها العراق - الدولة الغنية بمواردها الريعية من نفط وغاز طبيعي - منعكسا سلبا على تطور أنظمتها والمجتمعية – الانسانية - التنموية.

بداية أحد تعريفات الفساد يشير إلى أنه " تعبير عن سلوك البعض من المواطنين الذين عهد إليهم مسؤوليات إدارة الشؤون العامة والخاصة ولكنهم - وهنا المفارقة - لم يحترموا الواجبات الملقات على عاتقهم بهدف الحصول على مكاسب أو مزايا غير عادلة أو مشروعة ". هذا مع تجذر ظاهرة الفساد قد يتنحى قطاع رجال الاعمال الحرة عن مساري الابداع والتنافس المشروع بينما في المقابل نجد البعض منهم غير ملتزم أخلاقيا وقيميا قد يلجأ لأستخدام إحدى أدوات الفساد - مثل الرشاوى، و مايعرف بـ"الزبانية - Clientalism " أو غيرها ناجم عن هيمنة مراكز قوى نافذة سياسيا - اقتصاديا ومجتمعيا للحصول على إستثمارات او حصص مالية في مشروعات غير منتجة أوغير مشروعة تتلحف بغطاء مشروعية زائفة سياسيا - دينيا، ايدولوجيا. علما بإن بعض ممن عملوا في القطاع العام أو الخاص إتجهوا صوب المحيط الخارجي ناقلين مصادر وثروات مالية ضخمة إلى جهات تعرف ب"الملاذات الامنة " تسبب إهدارا واضحا لأموال الدولة العراقية يستوجب تفعيلا لدور السلطات التنفيذية - البرلمانية - القضائية والاعلامية التي ستكشف مستقبلا - إذا ما توفرت الارادة السياسية الحازمة بالوثائق والادلة القانونية - عن جميع الفاسدين بدءا من الكبار" حيتان الفساد " مع استرداد للاموال المنهوبة التي تجاوزت ارقاما بمئات المليارات من الدولارات وفقا لإرقام وتصريحات صادرة عن أعلى الجهات الرسمية. إن أنتعاش الثقة بين صناع القرار في العراق وشعبنا تعتمد على مدى نجاح السلطات الرئيسة الرسمية وغير الرسمية " افراد ـ شركات و مؤسسات القطاع الخاص او المشترك " في إعمال جهد أستثنائي للحرب على الفساد. من المفيد أن تتم الاجراءات الرسمية وفقا للمنهج العلمي - الواقعي والقانوني الذي يميز بين الفساد الممنهج الذي يغطي كافة مفاصل ومواقع المؤسسات من أعلى قمة الهرم المؤسسي مرورا بكافة المفاصل الادارية للدولة والفساد الذي يتسبب فيه افراد يعيشون في عزلة مجتمعية لا يؤثرون كثيرا في المشهد السياسي سوى عبر فترات زمنية مؤقتة اي أن تداعيات فسادهم" محدودة الاثر ". إن عدم ترك ملفات الفساد في مسارات النهايات السائبة من خلال المحاسبد.ة الجدية القانونية الشفافة لمؤسسات الدولة ولكل المتسببين بحالات الفساد أضحت ضرورة استثنائية عاجلة ينتظرها شعبنا على أحر من الجمر. هذا ووفقا لرأي الاستاذ زهير كاظم عبود في مقالة له عنوانها: أين تنتهي ملفات الفساد؟ (نشرت في جريدة الصباح في 22 يونيو 2023) اشار مايلي:

"ليس العبرة أن تتم استعادة جزء من الاموال المسروقة أو المنهوبة، فلم يحدث مطلقا في تاريخ العراق الحديث أن تمت مساومة مختلس أو سارق أو فاسد أن يستعيد حريته أو مكانته في حال إعادته جزءا من هذه الاموال للعراق، مثلما تشكيل اللجان التي نزعم إنها ستواجه عمليات الفساد وتقوم بتجهيز الملفات لإحالتها على المحكمة المختصة، مثل هذا الامر لن ينهي حقبة الفساد ". لذا من الاهمية بمكان النظر جديا إلى أولوية تأسيس جهة قضائية مستقلة عليا لمحاكمة الفاسدين وفقا لمعايير ومنهجية قضائية عادلة سبق لدول عدة نجحت في مواجهة قضايا فساد كبرى للفساد أن خبرتها في ماليزيا واندونسيا وسنغافورة على سبيل المثال لا الحصر. علما بإن ما تتخذه هيئة النزاهة العراقية وسلطان مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية من إجراءات قانونية سليمة مرحب بها بل ومطلوب المزيد منها مستقبلا. ضمن هذا السياق نشرت صحيفة" ذي ناشيونال " البريطانية مقالا في 27 حزيران/ يونيو 2023 سمته تفاؤلا حذرا مفاده" أنه من الممكن تماما لعراق كسر دائرة الفساد واستخدام ثرواته وموارده من أجل مستقبل أفضل لشعبه ". تصور يستند إلى أمكانية تنشيط وتفعيل دور المجتمع المدني العراقي بكافة نخبه ومثقفيه من خلال تفعيل إرادة سياسية قوية نسبيا تعتمد نهجي الشفافية والمحاسبة الحازمة لمعاقبة الذين أهدروا المال العام للدولة. وهنا نقتبس جزءا محددا من ماورد في التقرير لأهميته مقترحا حلا مناسبا ليس سحريا ولكنه واقعي مضمونه ضرورة: " بناء شبكة مجتمع مدني قوية من المحامين والقضاة والصحفيين والاكاديميين - بإعتباره- إحدى الطرق لكشف الفساد وتسليط الضوء عليه ومحاسبته ". لاشك أن محاسبة الفاسدين من كبار حيتان الفساد سيكون عامل ردع قوي لكل من تسول له نفسه استغلال الضعف الاداري أو السياسي من خلال استمرار الدور السلبي لمنظومة الاحزاب والتكتلات السياسية الكبرى التي كل همها الابقاء على ظاهرة المحاصصة السياسية - الطائفية - العرقية والقبلية - العشائرية وعلى وجود مكاتب اقتصادية لاتخضع لعين رقابة الدقيقة من أجهزة الدولة القانونية او البرلمانية ما يعني بكل وضوح عدم إمكانية أحداث إختراق مؤثر يهدد منظومة الفساد المستشرية في مفاصل الدولة.

ترتيبا على ما تقدم ونحن نعيش ايام اصدار الموازنة الثلاثية للاعوام 2023- 2025 نجد من الاولويات أن تقوم الرئاسات الثلاث وشبكة الاعلام النزيه المستقل أو المحايد موضوعيا أن يتم تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، اي متابعة كيفية تطبيق كافة بنود الموازنة الاتحادية للدولة بكل جد ودقة ما يقتضي عين ساهرة مراقبة ومحاسبة لكل المبالغ التي ترد لموازنة المؤسسات والمحافظات وكيفية أنفاقها دون أي هدر للمال العام مهما بلغ حجمها خاصة وأنها موازنة وصفت بإنها الاكبر في تاريخ الدولة العراقية. هذا وفي مقال آخر للسيد ياسين العطواني بعنوان ا"الهيئة الوطنية لإجتثاث الفساد " نشر في جريدة الصباح في 22 يونيو 2023 أكد الكاتب الرِأي التالي: " ما أحوجنا اليوم إلى أستحداث مثل هكذا مؤسسات وهيئات وطنية لمعالجة جائحة الفساد. مضيفا عبارة مهمة جدا مفادها: " يجب أن تكون الاجراءات المتخذة من قبل هذه الهيئة المفترضة غير تقليدية وغير مطروقة، فقد تحصنت حيتان الفساد بقلاع حصينة لايمكن أختراقها بالطرق التقليدية ". الامر الذي يستدعي أولا - تقديم صورة مركزة لبعض الارشادات التي يجب أن تستخدم لمواجهة قضايا الفساد ومن ثم ثانيا - تحديد بعض الوسائل غير التقليدية التي على الدول تطويرها أو ربما ابتكارها لمحاربة الفساد.

تبرز أولوية الوقاية Prevention من عمليات الفساد متنوعة الاشكال والمستويات في القطاع العام والخاص مايعني استثنائية الاهتمام والمتابعة لكيفية تبلور منظومة الادراك او الوعي بمنهجية السلوك القويم في المؤسسات الادارية والسياسية كي تشكل نموذجا صالحا للنزاهة إتساقا مع المسؤوليات المنوطة بالمهام والواجبات وفقا لمسار القانون والقضاء المستقل العادل بحق. من منظور مكمل لابد من برامج توعوية وتعليمية تقدم كوجبات جاهزة للرأي العام تكشف عن المعلومات المناسبة للارتقاء بنوعية حياة الانسان ماديا ومعنويا. من الارشادات المناسبة منع إحتكار السلطة في المركزلإن امتلاكها مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة. Power Corrupt and Absolute Power Corrupt Absolutely. من هنا أهمية الحكم الرشيد Good Governance في إطار النظام الديمقراطي الذي تمثله قوى النخبة المثقفة الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني التي إذا ما مكنت Empowered ستلعب دورا فاعلا مؤثرا في الرقابة والمحاسبة الجادة على ما يعد شططا او تجاوزا للحدود الرسمية لمسؤوليات الدولة السيادية - القضائية.

أخيرا لابد من كلمة مركزة عن الوسائل غير التقليدية" عالية التقنية " لمكافحة الفساد مثل: أستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تقديم خدمات عامة بإسلوب رقمي، وتقنية إعداد بيانات محدثة إحصائيا للتعاملات العامة وفي مجال حفظ الوثائق وفي متابعة كيفية انفاق موارد الموازنة لمشروعات التنمية الانسانية المستدامة أو في مجال إعادة تشكل انظمة العقود والمبيعات و محاربة الجرائم الاقتصادية كلها مجرد نماذج عن صورة لمستقبل واعد في مواجهة جائحة الفسا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram