TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ما هي فوائد الحرية الاقتصادية؟

ما هي فوائد الحرية الاقتصادية؟

نشر في: 4 يوليو, 2023: 10:35 م

بيير ليميو*

ترجمة: عدوية الهلالي

يعلمنا التاريخ أن البلدان التي تتمتع بقدر أكبر من الحرية الاقتصادية تنمو بشكل أسرع. وفي بعض الأحيان لا تنمو الأقل حرية على الإطلاق. ويقدر المؤرخون أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد في المملكة المتحدة، رأس الحربة في الثورة الصناعية، قد تضاعف بمقدار 16 خلال القرون الثلاثة الماضية. وقد تضاعف فقط خلال القرون السبعة الماضية،وحذت دول غربية أخرى، بما في ذلك كندا وفرنسا، حذو المملكة المتحدة.

ويعتمد النمو الاقتصادي على جودة المؤسسات (بما في ذلك الحرية الاقتصادية) وليس على الموارد الطبيعية. ونرى هذا في هونغ كونغ، وهي منطقة شبه مستقلة من المملكة المتحدة حتى عام 1997،وقد اعترف مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي التابع لمعهد فريزر بهونج كونج، وهي دولة صغيرة خالية من الموارد الطبيعية، باعتبارها الأولى في العالم بعد أن حققت هذه الحرية الاقتصادية مكاسب قوية فبينما كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هونغ كونغ يعادل 58٪ من المستوى الفرنسي في عام 1950، فقد وصل إلى 130٪ في عام 1997.

وتقدم الكوريتان مثالاً آخر. لقد اشتركتا في نفس الثقافة وقدمتا مستوى مشابهاً تقريباً من التطور عندما انفصلتا في عام 1948. ثم تباعدت مساراتهما بشكل جذري وأصبح مقياس الحرية الاقتصادية في الجنوب جيدا ولا شيء من ذلك في الشمال، إذ أصبح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الجنوب.

وتعتبر جودة المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مهمة للنمو الاقتصادي.وتتضمن المؤسسات الجيدة سيادة القانون والملكية الخاصة والحرية الاقتصادية، والتي عادة ما تسير جنبًا إلى جنب. ولا يتعارض صعود الصين الأخير مع هذه النظرية. وقد اكد رونالد كواس، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، بأن الصين أصبحت (تقريبًا) رأسمالية بعد وفاة ماوتسي تونغ، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات نموها الاقتصادي.

وفي العقود الأخيرة، سمحت العديد من حكومات البلدان الفقيرة بقدر أكبر من الحرية الاقتصادية، مما سمح لمليارات البشر بالإفلات من الفقر. فبين عامي 1981 و 2015، انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع من 42٪ إلى 10٪. ويشير المؤشر العالمي للحرية الاقتصادية وبيانات البنك الدولي إلى وجود علاقة إيجابية بين الحرية الاقتصادية على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية والدخل الحالي إذ يزداد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كلما انتقل المرء من أقل البلدان حرية اقتصاديًا إلى تلك الأكثرحرية.

ويسمح الإنتاج المرتفع ونصيب الفرد من الدخل للأفراد بتبني طريقة الحياة التي يفضلونها – وهي أكثر مادية بالنسبة للبعض، وأكثر روحانية للآخرين. باختصار، يعني الدخل المرتفع للفرد المزيد من الفرص لمزيد من الناس.كما تدعم الحجج الأخلاقية الحرية الاقتصادية إذ تعتبر الحرية الاقتصادية والمكونات الأخرى للحرية الفردية بشكل عام جزءًا من الكل. وهناك علاقة قوية بين مؤشر الحرية الاقتصادية العالمية ومؤشر الحرية السياسية لمؤسسة فريدوم هاوس (الحقوق السياسية والمدنية). فأقل البلدان حرية اقتصاديًا هي أيضًا تلك التي تكون فيها الحرية السياسية هي الأكثر تقييدًا.

كما ان الحرية الاقتصادية ليست شرطا كافيا للحرية الفردية بشكل عام. فنحن نعرف الدول الاستبدادية (سنغافورة، على سبيل المثال) التي تسمح بقدر كبير من الحرية الاقتصادية. ومن ناحية أخرى، يبدو أن الحرية الاقتصادية تشكل شرطًا ضروريًا للحرية الفردية، فمن الصعب تخيل حرية فردية كبيرة إذا قيل للأفراد ما يشترون ويبيعون ومكان العمل. وفي الممارسة العملية، فإن الحرية الفردية والحرية الاقتصادية يسيران جنباً إلى جنب بشكل عام.

وكلما احتكرت الدولة كلًا من السلطة السياسية والقوة الاقتصادية، زادت قدرتهاعلى استغلال الأقليات غيرالشعبية وقمع المعارضة وإغرائها. وسيكون هذا صعبًا إذا تمكنت الدولة من منع المعارضين من شراء أجهزة كمبيوتر أو هواتف ذكية، أو من العثور على وظيفة

ومع ذلك، فإن معظم الاعتراضات على الحرية الاقتصادية لا تتعلق بالحالات المتطرفة أو العوامل الخارجية الحقيقية فهم ينكرون مبدأ الحرية الاقتصادية ذاته. كما إن الاعتراض الشائع هو أن الحرية الاقتصادية تزيد من عدم المساواة في الدخل. لكن هذا ليس صحيحًا بالضرورة. وتعد العديد من أقل البلدان حرية اقتصاديًا وفقًا لمؤشر الحرية الاقتصادية العالمي (في أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال) من بين أكثر البلدان تفاوتًا وفقًا لمؤشر جيني.ومن ناحية أخرى، تتميز البلدان الحرة اقتصاديًا مثل سويسرا (المرتبة 4 في مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي) وأيرلندا (المرتبة 5) بمعامل جيني منخفض نسبيًا (32.5 و 33.5 على التوالي في 2013)، ومن المتوقع أن تؤدي الحرية الاقتصادية إلى تدمير إبداعي يكسر الحواجز الطبقية.

ومن المحتمل أن تساهم بعض التدخلات الحكومية في عدم المساواة، وأخيرًا،ونظرًا للنمو الاقتصادي للبلدان الفقيرة، فقد انخفض التفاوت العالمي. ويشير برانكو ميلانوفيتش، الخبير الاقتصادي في البنك الدولي، إلى أن الفترة 1998-2008 "شهدت أول انخفاض في عدم المساواة بين مواطني العالم منذ الثورة الصناعية".

وهنالك اعتراض آخر هو أنه يجب التضحية بالحرية الاقتصادية لمطالب دولة الرفاهية. وهذه التضحية ستكون خطيرة وستؤدي إلى آثار ضارة. وقد تكون الحرية الاقتصادية أقل استحسانًا عندما توجد بدرجة أقل في مكان آخر - إذا كانت الشركات الأجنبية، على سبيل المثال، محمية "بشكل غير عادل" أو بمساعدة حكومتها عندما يتمتع الشركاء التجاريون (وكذلك دافعو الضرائب) في مختلف البلدان بنفس الحرية الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن تحديد من يحصل على المزيد من الدعم هو عادة مهمة مستحيلة، لذا فإن التدخلات الحكومية عديدة وعواقبها معقدة للغاية.

وأخيرًا، وباستثناء الاشتراكية المثالية (وغير الواقعية) حيث تساوي الدولة جميع ظروف الحياة، لا يمكن أن توجد المساواة في شروط المنافسة - بوضع الجميع على قدم المساواة، إذ تتطلب المنافسة التغلب على أي معوقات يفرضها المنافسون أو الظروف سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان.

وغالبًا ما يرى المرء فوائد محددة في تقييد معين للحرية الاقتصادية، لكن تكلفة الفرص الضائعة لريادة الأعمال والابتكار غير مرئية. ويوضح هايك قائلا: " ما يجعل الحرية ذات قيمة هو أنها تفتح فرصًا لاتخاذ إجراءات لا يمكننا توقعها،ونادرًا ما ندرك ما نخسره نتيجة تقييد الحرية في نقطة معينة".

وباختصار، فإن النظام الاجتماعي والسياسي القائم على الحرية الاقتصادية يمكن الدفاع عنه أخلاقياً ومفيد اقتصاديًا للغالبية العظمى من الناس - ربما جميع الأفراد على المدى الطويل. لذلك يجب أن تقوم السياسات العامة على افتراض قوي لصالح سيادة الحرية الاقتصادية.

* خبير اقتصادي، ومؤلف كتاب "فهم الاقتصاد"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram