اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: السعادة من ثلمة بجدار في سكة مهجورة

قناطر: السعادة من ثلمة بجدار في سكة مهجورة

نشر في: 8 يوليو, 2023: 10:10 م

طالب عبد العزيز

من سكّة مهجورة إلّا من باعةٍ مجهولين، بالبصرة القديمة، يتبضع الباحثون عن سعاداتهم الخمرةَ، صحيحة، وممهورة بطغراء الحكومة مرّةً، ومهربةً، مغشوشة، وفاسدة مرةً أخرى. في السكة بيت مهجور أيضاً، لا يَعرفُ ساكنُوه بعضَهم، فهم غرباء، ساعة تداهم الشرطةُ البيت،

الذي أوسعوا ثلمة تصريف الهواء الكريهة في مرحاضه، فكانت شبّاكاً، يطلُّ منه جمهورُ الغرباء، وتلوح من أرففه زجاجات الخمرة حمراء وصفراء وخضراء ساعة يأخذ الشرطي غفوته، في الظهيرة المحرقة، ويُهبط بها، فلا ترى، فهي في غيابة الصناديق، محجوبة عن الناظرين. من الثقب برائحة كريهة التي لم تعد تنبعث اليوم السعادات.

كان هاشم تايه، الفنان والشاعر هو الذي نبّهنا الى الثلمة التي في المرحاض، هو يسمّيها كوّة، وحفظ صورتها بعين كاميرته، ثم أنه نقل عن الشاعر الأحوص الانصاري(ت 105ه) بيته الشهير يا دارَ عاتكةَ التي أتَعَزّلُ... حذَرَ العِدى وبكِ الفؤادُ موكّلُ " وكتب:" اقتعدْ حجراً، هنا، في أيّة زاوية بين خرائب البِلى، وتخيّلْ أنّك في حانتك التي خسرتْها حياتُك". في الرحلة، شبه اليومية، حيث يؤم جمهورُ الباحثين عن سعادتهم المكان، بعد الظلام بساعة وساعتين، ستكون الشرطة قد غضت الطرف، ويكون الباعة سعداء وثملين بقدومنا، تطفل أحدُ المتبضعين فسأل عن بهجة ما بعد السكر، ويقصد إمضاء الليل صحبة امرأة، حين رأى من ثلمة المرحاض امرأة، تنشغل بحشو الزجاجات في كيس أسود، غير مبالية بأحد، لكنَّ أحداً ما لم يجبه، فظل السؤال عالقاً في فضاء الغرفة، غير بعيد.

وفي معجمه يصف ياقوت الحموي (ت 626 ه) دير الدهدار فيقول:" وهو دير بنواحي البصرة، في طريق القاصد لها من واسط، واليه ينسب نهر الدير، وهو دير قديمٌ أزليٌّ، كثيرُ الرهبان، معظّمٌ عند النصارى، وبناؤه قبل الاسلام. وينقل عن محمد بن أحمد المعنوي البصري، الشاعر بيته:

كمْ بديرِ الدَّهْدار لي من صَبوحٍ

وغبوقٍ في غـــدوةٍ ورواحِ.

في ناحية الدير التي لا تبعد عن مركز البصرة أكثر من 50 كم اليوم كان مواطنو وغرباء المدينة يشربون الخمرة صبوحاً وغبوقاً، وظلوا آمنين على أجسادهم وأموالهم واسلوب حياتهم، ولم نقرأ عند الحموي ولا عند اغيره حتى نبلغ بتعدادهم حامد البازي(1920 - 1995) أنَّ أحداً ما قام بغلق الثغور التي يتبضع البصريون والابلّيّون منها سعاداتهم، ولم يجرؤ والٍ ولا متولٍّ على تكسير دنان الخمر فيها، ذلك لأنَّ العربَ القادمين من شبه الجزيرة لم يكونوا يكرهونها، لذا، لم يحجبها أحدٌ؟ لكنْ، ماذا عن نسائها؟

ينقل البازيُّ في (البصرة في كتابة الفترة المظلمة – دار البصري-بغداد- 1969) عن صاحب المروج في وصف النساء البصريات:"بانهنَّ ذوات الالسن العذبة، والقدود المهفهة، والاوساط المخصّرة، والاصداغ المزرفنة، والعيون المكحلة، والثديِّ المحقفة".ويزيد الجاحظ في رسائله فيقول:" بانَّ اهل البصرة لم يكونوا ليشتهون من النساء الا الهنديات وبنات الهنديات". ألم يقل عمر بن الخطاب لعتبة بن غزوان يوم فتحها:" إنَّي مُسَيِّركُ الى أرض الهند" ويعني البصرة، المدينة التي تتصل بالعالم المعروف انذاك، وتتاجر معه برا وبحرا، والتي بلغ كان عدد سكانها بين 300-400 الف نسمة، يوم دخلتها جيوش الحجازيين واليمانيين الـــ(40) الفا.

جاء في جريدة الاوقات البصرية-العدد 41 من المجلد العاشر 28 كانون الاول سنة 1917: "ستقوم كلٌّ من السيدة (بهيّة) والحسناء (نحيلة) والسيدة (ولقا) باحياء ليلة طرب في قهوة(مقهى) المُعلّقة، بالبصرة، ليلة الاحد الموافق 29 كانون الأول، فندعوا اسيادنا الكرام الى زيارة المحل، ليشاهدوا من ابداع السيدات في المَغْنى، وما يتبع ذلك من الرقص، وما تنشرح له قلوبهم، طربا وسروراً." غير أن البلدية تراجعت عن قرارها ذي الرقم 6 المتخذ بالجلسة 67 في 12 جولاي 1923، ولم تحصل موافقة المجلس البلدي على اقتراح جواد بن كاظم، لإسكان المومسات، بالصرائف المشيدة، في مُلك محمد وصفي المذكور، وقد علل المجلس عدم موافقته لسبب شدة الحر صيفاً، وبرد الشتاء، ولكنه وافق على ان تشيد دوراً لهنَّ، من الطابوق، ولو من طبقة واحدة، على ان تكون المنازل بعيدة عن مستشفى الجنرال مود، المزمع بناؤه. وإذا كانت الحكومة المحلية قد نسبت اسكان المومسات في الصرائف المذكورة، فإن المجلس يرجح أن تبني الصرائف على نفقتها، وتاجيرها دون توسط ملتزم، حيث أن هذا المشروع كما ذهب اليه القرار سيكون ذا فائدة عظيمة، نحو واردات البلدية".

يحصي مجلس البلدية بجلسته 48 المنعقدة نهار الخميس 27 ابريل سنة 1922 المبالغ المتحصلة من جباية رسم المومسات، القاطنات في منطقتهن، بالبصرة فتبلغ 12000 روبية سنويا، لم يُخصص منها شيء، لصالح ميزانية البلدية الجديدة، سوى ما جبيَ بواسطة دائرة الصحة، من بيع الادوية للمومسات البالغ خمسة الاف روبية، سنويا فقط، لذا، إقترح مدير الصحة المركزي استحصال رسم شهري، قدرة خمسة روبيات، من كل مومس، تقطن في تلك المنطقة، وتمت موافقة المجلس.

كان باص مصلحة نقل الركاب الذي يوصلنا بالبيت يمرُّ بشارع بشار، فيخترق دور المومسات شطراً وعجزاً، وما كنا نشيحُ بوجوهنا عنهنَّ، كنّ جميلات وفاتنات، وهنَّ يختذن من عتبات منازلهنَّ مكاناً لعرض (بضاعتهن). في السكة المهجورة تلك، حيث نبهنا هاشم تايه لم يكن هناك من يبيع الخمرة لنا، الآن، نسيت اسم الحانة الصغيرة التي كانت مجلسنا كل ظهيرة، كانت في جهة محلة المجصّة، الوجهة الثانية لشارع بشار، التي تنتهي بمحطة تعبئة وقود عزِّ الدين، هل أدلكم عن دكانة زينب، التي كانت تبيعني بطل البيبسي كولا بربع دينار يوم كان سعره عشرة فلوس؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram