TOP

جريدة المدى > عام > الشفاهية تفعيل للذاكرة

الشفاهية تفعيل للذاكرة

نشر في: 8 يوليو, 2023: 10:14 م

ناجح المعموري

احتفظت الحضارات الاولى بالطقوس والشعائر والسحريات ذات العلاقة بحياة الافراد والجماعات. لأن الشفاهية حافظة لما هو موروث، بوصفه بعضاً من ذاكرة يحتفظ به كل الشعوب،

باعتباره خزاناً يتزايد ولن يتناقض، وهذا ملمح مهم لكل الشعوب المتداولة. ويشكل هذا التراكم نوعاً من حضور قوي ومهم ويتغذى دوماً بما تبتكره الافراد عبر الاحتكاك مع جماعات مجاورة لها. لكن المدونات تظل معزولة وبعيدة عن الحفظ، لان المدونات اساطير صعب الحفاظ عليها، لان ذلك بحاجة لمعرفة اللغة وضرورات اختراعها التي تجعل من المدونات كالأساطير / الحلم، الاناشيد / قابلة بالاستمرار وسهل عليها ان تأخذ امتداداً لها عبر الكتابة. وكما قال هيغل ان اختراع اللغة هي دلالة على قوة الحضارة ووعي التاريخ ومعرفة الحرية، لذا دائماً ما تكون اللغة / التدوينات هي اللحظة البدئية المبكرة التي تتشكل فيها علاقات جديدة، كأنها غائبة ومستحيلة هي عتبة حفظ ما يعتقد الفرد والجماعة بوجود ضرورات لتسجيل ما هو مرغوب به. ولذا ذهب د. زهير صاحب الى ان « ارشيف الحضارة الانسانية لم يترك لنا وراءه نوعاً من الاساطير التي كانت متداولة شفاهاً بين اناس عصر الكهوف الا ان توفر تلك الاساطير المتداولة بين افرد الشعوب البدائية التي عاشت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وشهدت اقتصاداً قائماً على جمع شجع الانثربولوجي على تكوين نوع من المقاربة بين اساطير تلك الاقوام البدائية واسلافهم الاوائل مع اناس عصر الكهوف / د. زهير صاحب / حوار الحضارة والفن / ص34//

تبديات التقدم الحضاري من خلال اختراع اللغة مقولة هيغيلية مهمة. كانت وظلت تتمتع بقوة الحضور والتأثير. واقتربت منها بشكل خزان ذاكرة الفرد والجماعات، عبر اهم ما اعتاد تداوله، وهو الاسطورة. من هنا ظلت اللغة خازنة للأساطير وحافظة لها استمرار التواصل ولسيرورة. ليس هذا فقط، بل ان اللغة هي البادئة في عتبة الحضارة، واعطت دعماً في المجال الفلسفي، لحظة ما ادرك الكائن حيوية التواجد في المكان، واعطاء الانا ما تستحقه من مشاركة فعالة في استمرار الوجود، لان الذات لها انطولوجيا تدفع الكائن لمزاولة كل ما هو مطلوب بوصفه انموذجاً لافعال دالة على التواجد الانساني. والذات ــ كما قال هيغل ــ من حيث الجوهر تعي ذاتها من خلال تعينها في الحياة والواقع، من حيث امتلاكها موضوعات وجودها. ووعيها بهذا الوجود.

الانا / الذات استمرار الجدل الذي تعرفته وصار قانوناً، لا من اعتادت من هنا التضاد واضح بين التدوين والشفاهة عتبة حضارية هيمنت فيها تمظهرات الاساطير عبر العقائد والطقوس والسحريات. لكن التدوين وبحضور العقل ووعي الحرية امسك بالأساطير التي كرست تاريخاً مزمناً. وظل ممتداً، وما اريد التركيز عليه هو ان التدوين حافظ، ليس على الاسطورة والشعر والملاحم، بل على التاريخ الممكن جداً الاعتماد عليه. لأنه حافظ للوثائق والثوابت. كما لابد من التذكر بأن التاريخ ذاكرة كبرى انتجها فواعل السلطة، للحفاظ على ما حققت وانجزت، وبالإمكان القول من ان التاريخ نتاج نظام سياسي، هو الدولة وتوابعها من عناصر السلطة. ولابد من ضرورة التركيز ثانية وثالثة، على التاريخ دور مهم في التأصيل الاولى لتأسيس الدولة ومراقبة تطوراتها.

انطوى كلام د. زهير صاحب على اهمية عالية للأسطورة. واقترن التدوين بانتشار حضورها لان الكتابة عامل مساعد على ادامة الوجود وتكريس التواصل. لكن لابد من ملاحظة مفادها، ان الشفاهية عامل مساعد وضروري، للغاية لتكريس الصوت والتعايش مع المحكيات الحاضرة عبر الشفاهية التي اختزنت الكثير من ذاكرة الافراد والجماعات ومعروف بأن اكثر الفلاسفة اكدوا على اهمية حضور الصوت الذي يمنح تمركزاً قوياً وقد اشار هيغل لكثير من مميزات الصوت على التدوين لكني اعتقد بأن الشفاهية لها حضور في تداول الحكايات والنصوص الادبية اكثر مما هو ممكن مع الاساطير.

تكمن قوة الاسطورة في صفتها الدينية، ومزاولة الانسان لها عبر طقوسه وشعائره، التي تكرست من خلاله. كما ان طبيعة التبادل الشفاهي في البداية قد منحها تمركزاً. ومن ثم امتداداً وكلما وجد الانسان انعكاساته في الاسطورة توثقت علاقاته بها، واكثر تلك التبديات، العناصر الطبيعية ذات الصلة بالأرض والماء والشمس، وتحولات الفصول كما ورد في كتاب / ناجح المعموري / التوراة وطقوس الجنس المقدس //

اخذت الاساطير المعنية بالحياة والخصوبة مداها في الحياة الدينية وبلورت لها عقائد وطقوس وجدت محورها ممثلاً بالاله دموزي / تموز. والالهة انانا / عشتار، ووجد فيهما الانسان كينونته، واقترب من خلالهما الى ناظمي الحياة والمهتمين، في العلاقات الحياتية والكونية وهما الانبعاث / والموّات ولتاريخ القبيلة الميطقي. هذا التكثيف يرمي الى ادخال المولود الجديد طقسياً في الحقيقة القدسية، التي ينطوي عليها العالم والثقافة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

بيت القصب

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram