ذي قار / حسين العامل
اثار حريق طال المكتبة العامة في قضاء سوق الشيوخ موجة تساؤلات بشأن مصير المؤسسات الثقافية في ظل الاهمال، فيما نفت الحكومة المحلية ما يثار عن تحويلها الى الاستثمار، مؤكدة رفع مقترح لإعادة بنائها ضمن مشاريع صندوق اعمار ذي قار.
وكانت السنة اللهب قد اتت في ليلة الجمعة على معظم مبنى المكتبة العامة في قضاء سوق الشيوخ التي يعود انشاؤها الى خمسينيات القرن الماضي.
وقال قائممقام القضاء نبيل الموسوي، في تصريح إلى (المدى)، إن "الحريق اندلع إثر تماس كهربائي في البناية بحسب تقرير فرق الدفاع المداني التي حضرت لإخماد النيران".
وتابع الموسوي، أن "البناية كانت بالأصل متهالكة ومغلقة منذ أكثر من 3 سنوات وقد جرى اخلاء كل ما فيها من كتب واثاث ومستلزمات اخرى ونقلها في وقت سابق الى بناية المركز الثقافي".
ومن جانبه، ذكر الناشط المدني ابو احمد الربيعي في تغريدة عقب الحادث، "قبل سنة قلنا ان متنفذين من الاحزاب ونواب يريدون تحويل المكتبة العامة التي نهل منها الكثير من المفكرين والادباء الى مشروع استثماري، هنالك صمت مطبق من المثقفين".
وعلى صعيد متصل، قال عضو التجمع الثقافي في سوق الشيوخ عقيل الحربي في حديث مع (المدى)، إن "مكتبة سوق الشيوخ هذه ليست مكتبة فحسب وانما ذاكرة مدينة وقد كانت في بداياتها ملتقى للأدباء والمثقفين وعبرها برزت قامات علمية وادبية نهلت من معارفها ومصادرها القيمة والنفيسة".
وتابع الحربي، أن "المكتبة تعرضت للإهمال بصورة تامة واصبحت مهجورة خلال الاعوام الاخيرة كون معظم المتصدين للمسؤولية في الحكومات المتعاقبة هم بعيدون عن الثقافة".
وأشار، إلى أن "المكتبة ليست لوحدها قد تعرضت للإهمال وانما جميع المرافق الخدمية، وهذا ما انعكس سلبا على مجمل حياة السكان المحليين".
ولفت الحربي، إلى أن "بناية المكتبة باتت متهالكة وآيلة للسقوط وهو ما استدعى اغلاقها منذ بضع سنوات".
وأورد، أن "هذا الاهمال للبناية وعدم التعجيل بإعادة بنائها جعل الناس يعتقدون انه فعل مقصود الغرض منه تحويل البناية الى الاستثمار التجاري مثلما تحولت غيرها من البنايات في مركز محافظة ذي قار".
وشدد الحربي، على "أهمية اعادة بناء المكتبة بصورة عصرية كونها هوية سوق الشيوخ وحاضنتها الثقافية".
وبدوره، نفى قائممقام سوق الشيوخ ما جرى تداوله عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن "تحويل موقع المكتبة الى الاستثمار"، مشيرا الى ان "المكتبة صرح ثقافي مهم لا يمكن التفريط به".
وأضاف، "اما عن اعادة بنائها فهناك كتاب رسمي صادر من الامانة العامة لمجلس الوزراء يوجه بإعادة بنائها".
وتحدث عن "تقديم طلب قبل عام ونصف الى القسم الهندسي حول إعداد كشف فني لإعادة بناء المكتبة".
ورجح، أن "يتم ادراج مشروع اعادة بناء المكتبة ضمن مشاريع صندوق اعمار ذي قار للعام الحالي او العام القادم".
وكانت حكومة محافظة ذي قار قد اقرت (مطلع شباط 2023) بنقص الخدمات في قضاء سوق الشيوخ جنوب الناصرية، وبينت ان تأهيل البنى التحتية في القضاء المذكور يتطلب لوحده نصف تريليون دينار.
وشهدت محافظة ذي قار مؤخرا وخلال الاعوام الماضية تحويل عدد من الابنية الحكومية الى مشاريع استثمارية وتجارية من بينها موقع العيادة الخارجية وسط الناصرية الذي تحول الى (مول) تجاري، ومبنى محافظة ذي قار القديم الذي تحول الى مرآب استثماري لوقوف السيارات ومبنى قيادة فرع ذي قار الذي كان من المفترض ان يتحول الى حديقة عامة وتحول الى (مول) تجاري فيما تحولت مساحات من الاراضي التي كانت مخصصة لإنشاء حدائق ومساحات خضراء الى مجمعات سكنية لمسؤولين متنفذين، فضلاً عن تحويل عدد كبير من الابنية الحكومية الى مقرات حزبية فيما مازالت مدينة العاب الناصرية التي تعد المتنفس الوحيد لـ 700 الف نسمة من سكان مركز مدينة الناصرية معطلة بعد نزاع حول ملكية الارض.
وكان العشرات من الناشطين والمثقفين في الناصرية تظاهروا شهر أيار الماضي للحيلولة دون تحويل بهو بلدية الناصرية الى مركز تسوق (مول)، فيما حذروا من الزحف التجاري على المعالم الثقافية.
وكان مسؤولون وناشطون في محافظة ذي قار أعربوا مطلع العام الماضي عن قلقهم من ظاهرة الاستيلاء على الاراضي المخصصة للمراكز الصحية والمدارس والحدائق العامة وتحويلها الى مشاريع تجارية واستثمارية، وفيما دعوا الى الحد من التلاعب بجنس العقار وحسم ملف ملكية اراضي المنشآت ذات النفع العام، اشاروا الى تحويل مركز صحي ومساحات خضراء وابنية حكومية الى مولات ومجمعات سكنية ومقرات حزبية.
وتواجه محافظة ذي قار التي يبلغ عدد نفوسها أكثر من مليونين و300 الف نسمة وتضم 22 وحدة إدارية 10 منها متاخمة لمناطق الأهوار مشكلة كبيرة في مجال نقص الخدمات الأساسية وتدهور وتقادم البنى التحتية ناهيك عن عجز سريري في المستشفيات الحكومية يقدر بأكثر من 4000 سرير وعجز في الأبنية المدرسية يقدر بأكثر من 700 بناية.
فيما تشكل المناطق المحرومة من خدمات شبكات المجاري نحو 70 بالمئة من المناطق والاحياء السكنية في المحافظة، في حين يعاني قطاع الكهرباء من تقادم الخطوط الناقلة والشبكات والمحطات والمحولات الثانوية التي باتت لا تستوعب الأحمال المتنامية وتواجه مخاطر الانصهار أو انفجار المحولات، ومازالت هناك العشرات من القرى غير المخدومة بالماء والكهرباء، فضلاً عن معاناة السكان المحليين من شُح المياه خلال فصل الصيف وتزايد واتساع أحياء (الحواسم) ومناطق التجاوز على الممتلكات العامة.