اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > كيف تقرأُ الرواية؟

كيف تقرأُ الرواية؟

نشر في: 9 يوليو, 2023: 10:49 م

كه يلان محمد

كتابة الرواية موضوع يتناوله الكثيرُ من المبدعين في سياق الحوارات المنشورة وقد لايمانعُ المتحدِث عن كشف مطبخه الإبداعي والمصادر التي يستلهمُ منها ثيماتِ أعماله الروائية وقد بادرَ عددُ من أصحاب الصُنعة بأصدار مؤلفاتٍ حول فن الرواية، وتجربةِ الكتابةِ.

كما أنَّ استعادة العناوين المؤثرة على مرحلة التكوين، غالباً ماتكونُ جزءاً من المبحث الذي يعالجُ أدوات الكتابة، والتمكين في مهاراتها.ومن المناسب هنا الإشارةُ إلى مساهمات إمبرتو إيكو وماقدمهُ في مؤَلفه "اعترافات روائي شاب" من التفاصيل بشأنِ باكورة أعماله الروائية "اسم الوردة" لافتاً إلى ماتكسبُه بعض الشخصيات الورقية من مصداقية تفوقُ صيت من وردَ ذكرهم في سجل التاريخ.

كما أفرد ماريو بارغاس يوسا كتابه "رسائل إلى روائي شاب" لدراسة مكونات العمل الروائي.وهو يسدي نصيحةً للكاتب المبتديء في جزءٍ خاصٍ بالأسلوب مفادها أنَّ الناشيء يجب أن لايقلدَ الكتاب الذين يقدرهم إلا في تفانيهم وانكبابهم وانضباطهم.ولاتخلو كتاباتُ الروائية العراقية لطفية الدليمي عن المساعي الرامية لترسيخ الوعي بمفهوم الرواية والبحث عن المناطق التي يتقاطعُ فيها العلمُ مع الشكل الإبداعي، والفني، كما كرست جلَّ ماتتضمنه سيرتها المعرفية "عصيان الوصايا كاتبة تجوب أقاليم الكتابة" للحديث عن فن الرواية، والملحوظُ في مقالاتها النوعية هو التأكيد على قيمة الحس الجمالي في الصياغة اللغوية، والقدرة على معاينة المعضلات المُعاصرة.فبرأي صاحبة "مشروع أوما" ستكون للوظيفة المعرفية أولوية في محترف الرواية.إذ تلعبُ في السنوات المُقبلة دور الحاضنة المعلوماتية.هنا نفهم مغزى أمنية الفيلسوف الكندي جون ليزلي بأن يكونَ روائياً وليس فيلسوفاً.

معتركُ جديد

ومن الواضح أنَّ أهمية استشراف مؤلفة "سيدات زحل" تكمنُ في عدم التقيد بالألوان السائدة من الكتابة ولفت الانتباه نحو مايكونُ معتركاً جديداً أو حلبةً مختلفة للمادة الروائية، أكثر من ذلك فإنَّ ما تستشفهُ من كلامِ لطفية الدليمي هو التغيير الذي سيطالُ المزاج والذوق لدى القارىء،فالبتالي يجبُ أن يكونَ النص الإبداعي متواصلاً مع التحولاتِ ولايمكنهُ الانكفاء على أرضية ضيقة.بالطبع أنَّ هذه الرؤية تقود المتابعَ للتحرى عن شكل القراءة.و النظر في آلية التفاعل مع النص الروائي.هل يتبدلُ مستوى التلقي تبعاً لموضوعة الرواية؟ إلى أي حدٍ يلقى التصميمُ بظلاله على شكل العلاقة بين القارىء والنص؟ هل يتغيرُ عرف القراءة بناءً على المنطق الإقناعي في تسلسل أجزاء الرواية؟ مادور مرجعية النص في تعاطي القارىء مع المعلن والمضمر من الأفكار؟ تجاهل التنظير النقدي هذا المفصل في رصده لآليات العمل الروائي وكان الاهتمامُ للمادة المقروءة باستمرار بينما غابت طرائق القراءة إلا نادراً في مختبر النقد.يتابعُ الباحثُ الفرنسي مكسيم ديكو في كتابه المعون ب "مديح القارىء السيء" المراحل التي مر بها مزاج القارىء مشيراً إلى ماكان يعنيه مفهوم القارىء السيء سابقاً فهو يتمثلُ في التماهي مع النص مرخياً العنان للتأثر بالشخصيات الروائية والاستسلام لغوايات التقمص هنا يذكرُ رواية "آلام فارتر" مثالاً للميثاق المشؤوم بين القارىء والنص إذ يُشتبه بأنَّ ماكتبهُ غوته كان وراء انتحار حشود غفيرة من الشباب.والأغرب من ذلك أنَّ بعض الجثث شُهدت مسجاة على الأرض بجانبها نسخة من الرواية.يذكر أن شخصية هشام خطاب في رواية "بساتين البصرة" لمنصورة عزالدين نسخة من القارىء السيء لأنه هاجس البحث عن ذاته العتيقة في كتاب "تفسير الأحلام الكبير" لابن سيرين يودي به نحو المهالك. إذن تتواردُ توصيفات متنوعة للقارىء في دراسة ديكو بدءاً من النوع السيء مروراً بالنموذجي والجيد وصولاً إلى المُتعاون وتقع في ذات الإطار على آراء صفوة من النقاد والمفكرين حول مقاصد القراءة فيرى غادامير بأنَّ أي شخص يرغب في فهم النص فلابدَّ بالضرورة أن يبيتُ مشروعاً ومايشدُ الانتباه على وجه الخصوص هو إعلانُ سارتر بأنَّ الكتابة هي حصيلة الجهد الذي يبذلهُ بالتضافر والتعاون كل من المؤلف والقارىء.معنى ذلك إنَّ القول بعدم فاعلية القارىء في العملية الإبداعية ليس إلا تبجحاً وغروراً.يسردُ سانياغو بوسيغو في كتابه "حياة الكتب السرية" ما أثاره مقتل شرلوك هولمز من ردود الفعل والاعتراض لدى الجمهور القراء إلى أنْ وافق المؤلف سير آرثر على إعادة المحقق إلى مسرح الحدث من جديد.وهذا يؤكدُ تأثير القارىء على مصائر العمل الأدبي.

التشابه

والأهم في هذا المنحى هو معرفة المبدأ الذي من خلاله ينشيءُ القارىءُ شبكة التواصل مع الرواية.واذا كانت القراءة لاتقع إلا على خط واحد ولاتختلفُ نبرتها طبقاً لتشكيلة النص وقوامه الهيكلي، فمايتمخضُ من فعل القراءة في نهاية المطاف ليس إفراطاً في التأويل بل إفراط في التشابه.وبذلك يخسرُ القارىء صفة المشارك في اكتشاف جغرافية العمل الأدبي ويكتفي بالركون إلى مقعد المراقب مُستمتعاً باسترسال السرد وتعاقب حلقاته الكاشفة للحبكة المشتابكة مع الشخصيات والحدث.مما لاشكَّ فيه إنَّ هذه الصيغة وصفة نموذجية بالنسبة إلى معظم الروائيين.الأمر الذي يفسرُ تكرار ثيمة الجثة في موجة الروايات الجديدة.ومن المعلوم أنَّ المؤلف يراهنُ على التشويق الناجم من النفس البوليسي لكسر الرتابة وسحب القارىء إلى مناخ النص عبر التوغل في واقع الجريمة.تناقشُ لطيفة الدليمي في مقالها المنشور "ليس بالتشويق وحده تحيا الرواية " هذا الموضوع موضحةً الفرق بين التشويق بوصفه عنصراً تُدركُ مفاعيله في جسد النص بالتشارك مع عناصر أخرى وهذا أقرب إلى لعبة كرم القدم على طريقة تيكي تاكا لايهم المتابعُ ما تنتهي إليه المباراة بقدر مايستمتعُ بالفنيات العالية في العرض الكروي،والتشويق عندما يكون هاجساً مسبقاً في منهاج الكاتب.

ماكينة الرواية

يأخذُ دان براون بناصية النوع الثاني من التشويق إذ تنهضُ رواياته على المطاردات وفك الألغاز وتفكيك شفيرات الجريمة مع تشكيل خلفية مكونة من المعلومات التاريخية عن الجمعيات السرية والمواقع الأثرية والتحف الفنية.والغاية من كل ذلك هي مُضاعفة التشويق وتقييد القارىء بموقع المراقب.والحال هذه نفترضُ جدلاً وجود من يؤكدُ على التقارب في بنية كثير من الروايات والآليات التي يعقدُ عليها المؤلف خيوط السرد.هل يفهمُ من ذلك بأنَّ الرواية ماكينة لتدوير الأفكار والحبكات؟ التكرار ُ ليس قدر الرواية فحسب إنما ظاهرةُ ترافقُ مُختلف الأجناس الفنية والإبداعية.وما يكسبُ العملَ روحيةً مختلفةَ ليس إلا التفصيلَ الدقيق في التركيبة والصياغة وهذا ماينبغي التفتيش عنه قبل أن يتبلدَ المزاج وتتمُ برمجمة الذهن على خط واحد من القراءة.

المثال التوضيحي

يتطلبُ الموقفُ مثالاً لِما يبدو شططاً في التجريد لذلك قد تفي إضاءة التشابه في الاستهلال والحدث المؤسس للانطلاقة السردية في الروايتين وهما "ساعي البريد يدق الباب دوماً مرتين" للأمريكي جميس مولاهان كين و"الغريم" للكندي إيان ريد.بالغرض المنشود. تبدأُ الروايتان بظهور شخصية غريبة في بيئةٍ تسودها أجواءُ هادئة يتفاجأُ جونيور وزوجته هين في "الغريم" بأنَّ الرجل الذي يدعى تيرانس يعرفُ الاثنين والغرابة تزداد حين يكشفُ الهدف من زيارته إلى منزل يقعُ خارج المدينة.وهو يخبر جونيور بأنَّ الشركةَ اختارته ضمن المرشحين لرحلة إلى محطة فضائية وهي قيد الإنشاء ومن ثمَّ يشيرُ ممثل آترمور إلى أنَّ الأجهزة قد التطقت أحاديثهما عن الفضاء،وبالاعتماد على مارود في كلامهما قررت الشركة إضافة جونيور إلى قائمة الأسماء المُختارة للرحلة،بهذا ينافسُ غيره للفوز باليانصيب. يتوسلُ تيرانس بالتفلسف لتسويق فكرته مؤكداً على قانون التطور في الحياة ومن الضروري أن يتطورَ الكائن البشري.تتكررُ زيارة تيرانس إلى أنْ يقيمَ مع الأسرة مراقباً نمط الحياة الزوجية مستفسراً عن مهنة جونيور وهو ماينفك يكتبُ ملاحظات على الشاشة وينصبُ الكاميرات في المطبخ، لأنَّه مكان مهم في المنزل حسب تعبيره.ويثبت جهاز المستشعر في رأس من يتم تأهيله للرحلة هذا عدا عن تناول العقاقير والحصة التدريبة التي تستمرُ يومياً. وذلك كله من أجل إنشاء نسخةٍ مماثلة لشخصية جونيرو تحلُ مكانه عندما يغيب عن المنزل في غضون المدة التي تستغرقها الرحلة.عليه يتمردُ جونيور على توصيات ممثل الشركة ويقتنعُ أخيراً بأنَّ تيرانس يريد إقصاءه ويسلبُ منه هين التي عاشَ معها حياة مستقرة وشغفَ بها حباً وتعلقاً.وتنتهي الرواية بوضعية غرائبية عندما يُطردُ جونيور لأنَّه كان محاكاة للنسخة الأصلية، وصار شخصاً غير مرحبِ به مع عودة جونيرو الحقيقي.لاتختلفُ روايةُ مولاهان كين في توليفتها عن مقومات هيكلية يحيكُ ايان ريد على مقاسها سرديته.لاتضجُ فضاء الروايتين بشخصيات كثيرة وعلى منوال "غريم" فإنَّ الراوي من نوع المشاركُ في رواية "ساعي البريد يدقُ الباب دوماً مرتين "ويقصُ فرانك تشامبرز شريط السرد،ومايقوله يشحنُ الوضعية الأولى بطاقة درامية "قذفوا بي من شاحنة القش قرب الظهيرة"ويخيل إليك الكلامُ بصورة لشخصٍ من قاع المجتمع مايلبثُ حتى يطلبُ من مطعم على قارعة الطريق مايقيم به أوده.ولاينتهي الأمر بالحصول على وجبة الطعام إنما تنشأُ صداقة بين فرانك المولود في فرسكو وصاحب المطعم باباداكس اليوناني ويوافق الأول على اقتراح الثاني بالعمل معه ومايمضي كثير من الوقت حتى تدخلُ كورا في المشهد وتصبحُ طرفاً أساسياً في الحزمات السردية إذ تتعمقُ علاقتها الحميمية مع فرانك وتتورطُ بالتعاون مع الأخير في مجاولة قتل زوجها باباداكس غير أنها تتعثرُ ويتعافى صاحب المعطم دون أن يفطن إلى أفاعيل كورا.يعودُ فرانك بعد غيبة لاتدومُ كثيراً. تراودُ الإثين من جديد فكرة تصفية باباداكس، وفعلاً يخلو لهما الطريق بعد قتله في حادث سير مفتعل.هنا لايخفى على المتلقي التشابه بين العملين في خطوط عريضة و ومايكون محركاً لدفة السرد.لكن مايفرق بين أجواء العملين هو العبارات التي تضاهي الإيقاع في البصمة الموسيقية أو تُماثل الحمض النووي في التركيبة الشخصية.فالمفردات الغالبة في رواية "الغريم" وظيفتها أداتية على الأكثر فيما تختزنُ رواية "جميس مولاهان كين" نفساً عالياً من الدرامية والانفعال كما أنْ الراوي ليس منطوياً على هواجسه الداخلية كما تجد ذلك لدى جونيرو.هذا التفصيل المكون للروح النص هو مايكتشفه القارىء ويحددُ مستوى التلقي وسلاسة التواص

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram