بغداد/ بشائر موسى
ترتفع حالات الطلاق في العراق بشكل خطير، لتسجل أرقاماً قياسية في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي 2023. اذ بلغت 30,371 ألف حالة وبمعدل 9 حالات طلاق لكل ساعة حسب احصائية مجلس القضاء الأعلى.
هذه الحالات غالبا ما تعبر عن ثلمة اجتماعية تنعكس نتائجها السلبية بصورة مباشرة وكبيرة على الاستقرار العائلي عامة، وعلى النساء خاصة. وتحدث الأعم الأغلب من الحالات بين زوجين قد أنجبوا أطفالاً؛ لأنه وفي أغلب قضايا الطلاق يستخدم أحد الأبوين الأطفال من اجل الضغط على الآخر. هذه الاثار لا تمس الزوجين والابناء فقط بل تمتد إلى المجتمع بأكمله.
روايات الأزواج الذين قرروا الانفصال تؤكد أن قرار الطلاق لا يتولد فجأة وهو ليس نتيجة الترف أو الملل كما تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حفلات الطلاق التي تقيمها بعض النسوة، وإنما يأتي لتراكم المشاكل بين الزوجين وتعقيدات الحياة الزوجية. والتي غالباً ما تفشل المساعي الحثيثة للإصلاح بينهما التي يقودها الأقارب والأصدقاء أو الباحثون الاجتماعيون العاملون في المحاكم الشرعية.
يقدم الزوجان على قرار الانفصال بعد حصول العديد من الخلافات بينهما بسبب عدم الانسجام أو عدم تقبل شخصية الآخر وآرائه، وهذه الخلافات قد تتطور لينتج عنها تعنيف جسدي أو نفسي لأحد الزوجين من قبل الآخر، مما يؤدي لظهور الخلافات التي قد تتراكم لأسباب مادية أو نفسية، ومن ثم تنتج عوارض الفرقة بينهما. اسباب الطلاق كثيرة ولا يمكن عدها أو حصرها بسبب واحد. إلاّ أن البعض يعزوها لأسباب من اهمها: الوضع الاقتصادي، الخيانة، زواج القاصرات، السكن مع اهل الزوج، تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، والعديد من الاسباب الاخرى. إلا أنه وفي السنوات الاخيرة ظهرت لدينا أسباب جديدة لم يألفها المجتمع العراقي.
الأسباب الاقتصادية هي إحدى أهم أسباب ارتفاع معدلات الطلاق، إذ في آخر مسح نفذه الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، حدد نسبة البطالة في العراق بـ16.5% بين السكان الذين هم بعمر 18 إلى 63 سنة النشطين اقتصادياً. وترتفع بين 18 إلى 30 سنة إلى ما يقارب 21%. حسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي.
ومع تزايد أعداد خريجي الجامعات من دون وجود فرص عمل لهم في القطاع الخاص أو عدم قدرة مؤسسات الدولة على استيعابهم، لذلك فأن العديد من حالات الطلاق يكون سبب عدم قدرة الزوج على تلبية متطلبات المعيشة اليومية.
مثلا تقول (ن . م) إنها طلبت الطلاق لان زوجها الذي استمر زواجها منه لمدة أربع سنوات ونتج عنه طفل واحد، لكنه لم يكن قادرا على توفير حياة كريمة لها بحجة أنه لم يستطيع العثور على عمل، لذلك صار يعتمد عليها كليا في إدارة شؤون المنزل وتحمل مصاريف العائلة، إضافة إلى أنه يسكن معها في بيت أهلها. ولم يكن هذا السبب الوحيد إذ تقول مع حياة العاطلين التي يعيشها زوجها إلا أنها لم تستطع التخلص من تدخلات أهله في كل صغيرة وكبيرة من حياتها حتى مع سكنها في منزل عائلتها بعيداً عنهم، حتى أن المشاكل التي يتسببون بها لها تكاد تكون بصورة يومية يرافقها الضرب والإهانة لذلك اتخذت قرار الانفصال عنه.
وتتكرر روايات الخيانة الزوجية، كونها أحد الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، بيد أنها تختلف من حالة إلى أخرى. التطور الذي شهده العراق في السنوات الاخيرة والمتمثل بدخول الهاتف النقال والانترنيت وعشرات من برامج التواصل والتي هي تكون غير خاضعة للرقابة، وبسبب سوء استخدامها من قبل العديد من الأشخاص. كل هذه العوامل كانت أسباباً لزيادة حالات الطلاق، لكن تبقى النسب متفاوتة بين عامل واخر، إذ مرة تكون هذه الحالات بسبب خيانة الزوج، ومرة أخرى بسبب خيانة الزوجة. لكن وحسب الاحصائيات التي تم الحصول عليها من محاكم مختصة في محافظتي بغداد وذي قار، فأن النسبة الأكبر من حالات الطلاق هذه يكون سببها الزوج، مثلا تقول (س. ع) إحدى الصديقات على الفيس بوك بأنها طلبت الطلاق بعد أن اكتشفت ان زوجها على علاقة بفتاة مغربية قامت هذه الفتاة بتصوير مقطع فيديو مخل بالأخلاق للزوج، وبعد أن ابتزته بمبلغ مالي، وما ان تعذر عليه الدفع حتى قامت بنشر المقطع وإرساله لكل أصدقائه في السوشل ميديا ما اضطر أهل الزوجة لمطالبة ابنتهم بترك بيت الزوجية وطلب الطلاق. أما (ح. م) فيقول انه قام بتطليق زوجته لأنها تقضي وقتا طويلا في مواقع التواصل الاجتماعي ولديها الكثير من الأصدقاء الرجال، وهذا ما انعكس سلباً على علاقتها بزوجها ما أدى إلى تقصيرها في واجباتها الزوجية والمنزلية لذلك قام بتطليقها بعد أن حاول تنبيهها لأكثر من مرة. في حين تقول (ع. ع. ك) إنها تفاجأت بطلب زوجها منها ترك المنزل والذهاب إلى بيت أهلها؛ لأنها وحسب قوله (ليست جميلة ولا تشبه ما يراه من نساء على تطبيق تيك توك) وأنه لطالما كان يريد الزواج من فتاة تكون تشبه (إحدى مشاهير التيك توك!). وتعدد أسباب الطلاق مع تعقيدات الحياة الاجتماعية، فمثلا عدم التكافؤ بين الزوجين، والاختيار بسبب الشكل أو على أساس المكاسب المادية، واختلاف المستوى الثقافي والعلمي بين الزوجين، كذلك جهل أحد الزوجين للطريقة المثلى للتعامل مع الطرف الآخر. كل هذه الاسباب والعشرات غيرها تولد بعد فترة من الزواج فجوة لا يمكن ردمها.
الزواج المبكر كذلك له حصة كبيرة من حالات الطلاق لانه سواء الزوج او الزوجة القاصرة لم يكتمل لديهما النضوج العقلي بعد وبالتالي لا تكون لديهما القدرة على تحمل اعباء هذه التجربة الحياتية التي تحتاج الكثير من الصبر والتحمل لاستمرارها ونجاحها.
هذه النسبة الكبيرة لحالات الطلاق تأتي إذا ما تغاضينا عن الحالات التي تتم خارج المحكمة والخاصة بالزواج غير المصدق في المحكمة. المفارقة أن من العوامل التي تؤثر وتساعد على زيادة أعداد حالات الطلاق كثيرة ومنها المحامي مثلا الذي يسعى دائما للحصول على قضية يكسب من خلالها حكماً لصالح موكله، ما يعود عليه بالنفع المادي لذا نجد اغلب المحامين ان لم يكن جميعهم لا يسعى أحدهم للصلح بين الطرفين بل على العكس يعمل جميعهم على دفع موكليهم لرفع العديد من الدعاوى تحت مسميات النفقة والحضانة والطلاق وغيرها حتى ان أحدهم لم يدخر جهدا للتفريق بين الطرفين.
ايضا مكاتب عقود الطلاق والزواج خارج المحكمة والتي يكون هدفها دائما الربح المادي على حساب الصلح بين الزوجين هي الاخرى لها تأثير كبير ومباشر في زيادة نسبة حالات الطلاق.
اخيرا وإذا ما اردنا التقليل من خطر هذه الافة التي باتت تفتك بالمجتمع فيجب علينا جميعا تحمل المسؤولية كل من موقعه، حكومة ورجال دين ومثقفين، منظمات مجتمع مدني ومراكز التدريب والتطوير والتثقيف وحتى المؤثرين في السوشل ميديا. اما دور الحكومة فيكمن في ضرورة توفير فرص عمل، وفرض التعليم الالزامي على كل الفئات وتشريع قانون منع زواج القاصرات دون سن 18 سنة. أما رجال الدين من جانبهم فيتوجب عليهم الامتناع عن عقد الزواج خارج المحكمة للقاصرات ومحاولة الإصلاح بين من يلجأون إليهم لغرض الطلاق وتغليب مصلحة المجتمع على المنفعة المادية التي يرجوها من الطلاق بينهما.
جميع التعليقات 1
سالم الحلاق
فعلا هذا واقع المجتع العراقي وصف دقيق ومفصل بما يخص الازواج ندعو من الله ان يصلح حال المجتمع موفقيق يارب ست بشائر