غالب الشابندر يكثر الحديث دائما على المنابر الوعظية سواء في المساجد اوعبر الفضائيات عن رمضان حكمة وأحكاما وآدابا وعادات بكونه شهرا دينيا تعبديا وطقسيا خالصا ، وبحكم كونه من مصاديق ومفردات الزمن المفارق للزمن المألوف الذي نعيشه في
بقية ايام العام في كثير من تضاعيفه السلوكية والعبادية ، لانه شهر الله كما تعرفه الاحاديث واللآيات الشريفة ، وشهر النفوس الطيبة ، وشهر الاجساد المتعبِّدة. العمل والإنجاز نادرا ما يكون الكلام عن شهر رمضان بصفته شهرا للاجتماع الحي ، الاجتماع النشط ، الاجتماع المعطاء ، ونادراً ما يكون الحديث عن شهر رمضان بانه شهر العمل وليس الكسل كما يحلو لبعضهم أن يتهم الشهر الفضيل ، وفيما إذا كانت هناك مظاهر كسل وخمول وجمود ذهني وعضلي تصدر من هذا الصائم أو ذاك ، فهي من فعل الذات وليس الموضوع ، أي من فعل هذا الصائم الذات وليس من فعل الصوم الموضوع ، كما يقل الكلام عن شهر رمضان كونه شهر الحب والتسامح والتعاون والعفو وبالامكان ان تكون رسالة التسامح اقوى وامضى في دلالتها ومعانيها في اطار الاجواء الرمضانية المباركة ، وقليلا ما نسمع وسط الحمى الجماهيرية والشعبية للمسلسلات الدرامية في رمضان ، عن ندوات حوارية او مؤتمرات اسلامية تتحدث عن الإنجازات الإسلامية الكبيرة خلال ايام هذا الشهر في التاريخ ، كواقعة نزول القرآن الكريم وهي من اعظم احداث الدنيا، و معركة بدر أول انتصار للحق التوحيدي الجليل على قوى الشر ك والجاهلية والقيم القبلية ، كما ترتبط بايام رمضان وذاكرته محطات تاريخية مشرفة في تاريخنا المعاصر، ونجد ان كثيرا من الحوارات المتداولة بين الصائمين تركز على عد ايامه وتناقصها وما يصاحب الصوم من تحمل مشاق الجوع والعطش وغيرهما من موجبات الافطار ، فيما يغيب الحديث عن صفاء الروح في هذا الشهر وماله من تأثير في تجديد الطاقة الخلاقة للانسان في بناء الحياة والرؤية الانسانية للآخرين المختلفين معنا لونا او معتقدا والمشتركين معنا بمحنة الوجود ومصير الحياة .تقاليد وليست عباداتشهر رمضان يبدو في اغلب البلدان الاسلامية شهرا تقليديا وفلكلوريا حسب طبيعة وتقاليد هذه البلدان ،في أكثر ما نشاهده من ممارسات ، وما نسمعه من كلام ، وما نشترك فيه من فاعليات ، كظاهرة الإفطار الجماعي ،او الحديث عن بطو لات غابرة ، او ممارسة ليلية للعبة ( المحيبس ) كما في العراق اوغيرها من الالعاب االشائعة في رمضان في بقية البلدان الاسلامية ، او تحصل في لياليه قراءة روتينية لآيات القرآن الكريم ، في غيبوبة روحية سادرة وسط لجة وعظية ساكنة خاملة ومجدبة. الصوم الحقيقيهو صوم عن الطعام والشراب و الرفث لساعات معدودة كي تجدد الذات حيويتها ، وترسم لمستقبلها معالم حياة جديدة لان الروح تكون مرحة ،ونشطة ، وجذلة في هذا الشهرالكريم ،وفي اعلى درجات استعدادها للتجاوب مع قيم السماء التي تدعونا إلى عودة مستمرة إلى الحقيقة الروحية الخالصة وتدعونا للسلام الكوني والتعايش بين بني البشر، فما أحرانا أن نتفهم ونعي هذه المعاني السامية الشفافة السامقة ، ليكون رمضان مدرسة المستقبل وليس مدرسة الحاضر ، وليكون رمضان شهر الانجاز والفعل الملموس في الدوائر والمدارس والوظائف الحكومية وانجاز ما هو متعطل من شؤون المجتمع ، وليس شهراً للكسل والتثاؤب والادمان الموسمي على مسلسلات الفضائيات المسلية والممتعة.دعوة عامة الدعوة إلى الله وفضائل رمضان ينبغي ان لا تقتصر على رجال الدين التقليديين، بل يمكن ان يدعو لها كل مثقف بمن في ذلك الذي يسمونه (علماني)، فهو لا يعدم نظرة روحية إلى الصوم في هذا الشهر وإن لم يمارسه عمليا ، لإنه من أبناء هذا المجتمع ، ويمكنه أن يتحدث عن روعة رمضان وفضائله الاجتماعيةوالصحية والاقتصادية، فهو يتحسس ملامح التغير الاجتماعي والنفسي الذي يطرأ على المجتمع عند حلول الشهر الفضيل ، ولان الامور بمعانيها ومفاهيمها وإن لم نطبقها ونعمل بها ...وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) ، فيجب ان تذكر دوما ان اعظم الوقائع الايمانية والروحية والاحداث التاريخية حصلت في رمضان ، كنزول القرآن المجيد على رسول الرحمة النبي محمد (ص)، ووقوع معركة بدر في منتصفه وهي دلالات ساطعة وإشارت إلهية على ان الشهر هو شهر عبادة كما هو شهر انجازات وبطولات وأفعال وليس شهراً للخمول والكسل والاستمتاع بتقاليد فلكلورية متوارثة وفرجة غير مجدية على مسلسلات مسلية لا أكثر.
قيم اجتماعية وروحية لشهر رمضان
نشر في: 13 أغسطس, 2010: 06:16 م