نوفل الراويالكثيرون منا يتشوقون لسماع دوي مدفع الإفطار ساعة غروب الشمس؛ ليبدأوا بالتخلص من العطش الذي يلازم الصائم طوال النهار وحتى المغيب ،لكن الكثير منا يعرف قصة مدفع الإفطار الذي سيبقى جزءا مهما، وصورة دائمة في شهر رمضان المبارك على مدار القرون والدهور.
أن إطلاق قذيفة عند الإفطار كذلك عند إقتراب موعد السحور من التقاليد الرائعة التي عرفها المصريون بالمصادفة ثم نجحوا في تسويقها إلى كل البلدان العربية والإسلامية فيما بعد.. هذا على الأقل ما تقوله مصادر التاريخ، ويتناقله العامة في كل زمان ومكان.. وتقول أشهر الروايات عن مدفع الإفطار أن والي مصر محمد علي الكبير كان قد إشترى عددا من المدافع الحربية الحديثة في حينها في إطار عزمه على تسليح جيش مصر، وجعله جيشا قويا وصادف أن قرر الوالي القيام بتجريب مدافعه الحربية في رمضان فأطلقت أول قذيفة من تلك المدافع لحظة غروب الشمس في أول يوم من أيام رمضان المبارك؛ فظنّ العامة من الناس أن والي مصر لجأ إلى طريقة جديدة للإعلان عن موعد آذان المغرب في رمضان، فأعجبوا بهذه الطريقة وشكروا الوالي وطالبوا أن يتكرر ذلك خلال السحور أيضا فوافق الوالي، وحتى عام 1859 م كان المصريون يستخدمون الذخيرة الحية في إطلاق المدفعية لكن بعد ذلك تمت الإستعانة بالذخيرة غير الحية من أجل تقليل الأضرار التي تلحق بالقلعة الموجودة جنوب القاهرة التي كانت موضعا لإطلاق مدفع الإفطار، وخلال هذه الفترة كانت قد إنتقلت إلى بقية البلدان العربية والدول الإسلامية أيضا على مراحل عدة، وكان مثل هذا يحظى بقبول الناس في كل مكان بخاصة لدى الأطفال الذين يتخذون مواقعهم فوق سطوح الدور والأماكن المرتفعة لكي يسمعوا صوت إنطلاق مدفع الإفطار...و تقول رواية أخرى؛ حدث أن الناس اختلط عليهم وقت الإفطار ووقت السحور، وتساءلوا: كيف يعرفون وقت كل منهما؛ خاصة أنهم أحيانًا لا يسمعون الأذان، وأحيانًا يكون الجو مظلمًا في فصل الشتاء فلا يعرفون متى تغرب الشمس. واقترح أحد الفلاحين على شيخ من شيوخ الأزهر قائلاً: مدافع محمد علي باشا -حاكم مصر في ذلك الوقت - بالقلعة تقلقني في الظهيرة.. لماذا لا تقلقنا ليلاً في إفطارنا وإمساكنا؟ سكت شيخ الأزهر قليلاً ثم قال: حقًا والله إنها فكرة يا أخي. وفى التوِّ ذهب شيخ الأزهر إلى محمد علي باشا، وقال له: يا والي البلاد، إن القاهرة قد اتسعت كثيرًا، ومن الناس من لا يسمع الأذان.. وقد اقترح عليّ فلاح مصري الآتي... وحكى له. فأمر محمد علي باشا بتنفيذ الفكرة، وسحب الجنود مدفعًا كبيرًا، ووضعوه فوق قلعة صلاح الدين. وقبل رمضان بيوم جاء أربعة جنود إلى المدفع، واحد منهم "معمارجي"، ومهمته أن يضع الطلقة في مكانها داخل ماسورة المدفع فيعمِّرها، والثاني "رامٍ"، ومهمته أن يقوم بتشغيل الترباس الذي يحكم إخراج الطلقة، والثالث "طومار"، وهو الذي يقوم بتبريد الماسورة بعد إخراج المقذوف، والرابع مهمته إحضار الطلقة للمعمارجي. ويقيم هذا الطاقم بجوار مدفع الإفطار طوال شهر رمضان، وعند ثبوت الرؤية -رؤية الهلال- يطلق الطاقم إحدى وعشرين طلقة ابتهاجًا واحتفالاً بقدوم شهر رمضان الكريم. طوب أبو خزامة“طوب أبو خزامة” هو ذلك المدفع النحاسي الذي ظل جاثماً أمام باب القلعة “وزارة الدفاع” فيما بعد سنين طويلة حتى بات جزءاً من التراث الشعبي البغدادي ومن تراث شارع الرشيد\، فما من أحد مرّ في هذا الشارع خلال قرن من الزمن لم ير هذا المدفع الرابض على باب الثكنة “وزارة الدفاع” ليذكر الناس بمجد عسكري عثماني آفل. ومن كثر ما جرت عليه من عادات ومعتقدات شعبية لدى العامة أصبح هذا الطوب موضع المثل الشعبي والحكاية المتداولة بين العوام.صاحب المعجزاتوقد شاع بين العامة البغدادية - كما يقول أغلب المؤرخين - إن هذا الطوب “المدفع” الذي ربض على باب القلعة ومن ثم وزارة الدفاع على رصيف المارة عقوداً طويلة بحيث ظل يراه يومياً كل من يمر بالجادة العمومية “شارع الرشيد” يعد صاحب معجزات، وبعض من كتبوا عنه قالوا إن له الفضل الكبير في دحر الفرس وإستعادة بغداد من قبل العثمانيين، حتى أضحى كما يقول عبد الكريم العلاف في نظر السذج من الناس آنذاك ولياً من أولياء الله سبحانه وتعالى!!، يزورونه ويتبركون به ويعقدون الخرق بسلسلة الحديد التي تربطه إلى قاعدته، ويشعلون الشموع حوله كل ليلة جمعة، وأكثر زواره من النساء.حجر صامتفالمرأة البغدادية تعتقد إنه ولي قلما يخيّب أمل زواره، وبالطبع فإن أغلب المعتقدات العراقية هي معتقدات مبنية على “الأمل والرجاء” فالإنسان العراقي رغم قوة تحمله وشجاعته في بناء حضارة وادي الرافدين، عاش في بلد متلبد دائماً بالنكبات والمصائب، وكان الإنسان العراقي يعقد “الأمل” حتى على الحجر الصامت ليعينه على تجاوز الصعاب، بيد إن الأمية وغياب التمدن في معظم نواحي بغداد آنذاك ساعد كثيراً على نسج هذه المعتقدات الخرافية حول هذا المدفع وغيره من الأشياء الت
حكاية مدفع الإفطار .. وطوب أبو خزامة
نشر في: 13 أغسطس, 2010: 06:17 م