ترجمة: عدوية الهلالي
كانت المؤلفة الأمريكية البالغة من العمر ثلاثين عامًا أصغر فائزة بجائزة الكتاب الوطني منذ الكاتب فيليب روث عبر رواية (استمع إليّ حتى النهاية) الصادرة عن دار غالميستر الفرنسية،
حيث تقدم تيس غونتي مجموعة من الشخصيات غريبة الأطوار ومنها بطلة الرواية الشقراء الشفافة ذات الجمال المشع، بلاندين، التي تحقق أخيرًا حلمًا غامضًا (بأن تغادرجسدها) فتتعرض لطعنات مميتة...
ومن خلال مزج الحالات مع بعضها واللعب بها ببراعة، تعود تيس غونتي بالزمن إلى الوراء، وتعيد تشكيل اللغز، لتكشف عن الأحداث التي أدت إلى هذه الخاتمة الدموية. ثم تعيد الحياة بتقنية سردية روائية هائلة تمزق الحلم الأمريكي مع الاحتفاء بتضحيات الأمة العابرة..
مجلة مدام فيجارو الفرنسية أجرت حواراً مع المؤلفة الشابة جاء فيه:
كيف تصفين بطلتك؟
-هي فتاة صغيرة تحلم بأن تكون صوفية على الرغم من انها لا تؤمن بذلك. ففي البيئة المضطربة التي تعيش فيها بعد تطور الصناعة،بدأت بلاندين تشك في كل شيء، لكنها تظل مصممة على الوصول إلى شكل من أشكال النشوة الإلهية، ليس لأسباب روحية أو دينية، ولكن لأنها تشعر بأنها حيوان محاصروتتمنى ان تغادر جسدها. لقد أصبحت يتيمة، وانتقلت من منزل إلى منزل وعانت من أعمال عنف متعددة، وإذن فإن تصوف العصورالوسطى هوالمخرج لها. كان من المستحيل عليها مغادرة بلدة فاكا فالي - فليس لديها مال ولا شهادات ولا أسرة ولا علاقات - لكنها تستطيع الهروب بروحها وتصبح القديسة هيلدغارد من بينغن قدوة بالنسبة لها، فبينما يتبنى الصوفيون الآخرون وضعية الاستسلام، كانت هيلدغارد تمتلك شكلاً من أشكال القوة إذ كان لديها ثقة في عقلها وأظهرت فضولًا نهمًا، وكانت مهتمة بالرياضيات والطب والموسيقى وعلم الأحياء...
لم تتخرج بلاندين من الثانوية، بسبب علاقتها مع أحد معلميها، كيف أثر ذلك على حياتها؟
-كان من المهم جدًا إظهار كيف حطمت هذه القصة حياتها. لقد كتبت هذا الجزء من النص خلال تظاهرات حركة Me too، كنت أفكر في كل هذه العلاقات التي يمارسها شخصان برضاهما ويكون لها مع ذلك عواقب وخيمة على حياة أحد الطرفين إذ يمكن أن يكون هناك اختلال في التوازن في علاقة الطالبة ومعلمها الذي ترى فيه مرشدًا.إنها تدمر إحساس بلاندين بالقيم، وتزعزع ثقتها بنفسها، وإيمانها بالتعليم الذي تتلقاه.لذا تترك المدرسة الثانوية وتستمر في تثقيف نفسها، لكنها لم تعد تثق في أي شخص بعد ذلك.
لماذا اخترت هذه البنية متعددة الأصوات؟
-لقد فكرت في روايات معينة لجورج إليوت وجيمس جويس أو مؤخرًا ديفيد فوستر والاس وزادي سميث.ومثلما هو الحال في أي نظام بيئي صحي، فإن كل شكل من أشكال الحياة ضروري، لقد أردت أن تقوم كل شخصية، دون أن يكون لها بالضرورة دور رئيسي في الحبكة، بإثراء الكتاب ككل. كان الأمر يتعلق أيضًا بترك التركيز الفردي الذي شجعته الرأسمالية الأمريكية بشكل كبير خلال الحرب الباردة، فقد اخترقت وكالة المخابرات المركزية برامج الكتابة للقضاء على التاريخ الجماعي خوفاً من الشيوعية. وكان لهذا عواقب على الأدب الأمريكي، وإذا أضفنا إلى ذلك صعود الشبكات الاجتماعية وغيرها من المنصات التي تدفع الناس إلى البقاء محبوسين في منظور واحد، فأود أن أقول إن اللعب من زوايا متعددة في (استمع اليّ حتى النهاية) كان أيضًا طريقة لتشترك جميع شخصياتي في شيء واحد: وحدتهم...
اليوم، يتم التركيز بشكل أقل على فكرة المجتمع إذ يتحرك الناس ويغيرون وظائفهم ويتركون عائلاتهم.. علاوة على ذلك، فإن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تدعي توسيع دائرة علاقاتنا، تعزز في الواقع عزلة الشخص. وأخيرًا، فإن بيئة هذه المدينة في أزمة وقد أطفأت كل أمل بين سكانها فقد تم خداعهم بعد الوعود التي قطعت لهم بالأمن والراحة.
أنت قادمة من مدينة مماثلة لتلك التي تصفينها. هل ألهمتك بذلك؟
-لقد نشأت في ساوث بيند في إنديانا، ومثل العديد من المدن، انتعشت ساوث بيند من النشاط الاقتصادي للسيارات، وبدأت تموت عندما فقدت هذه الصناعة. وعلى الرغم من أنني ولدت بعد ثلاثين عامًا من ذلك، إلا أن شبح الانهيار ظل يطارد المدينة، مما يعطي شعورًا بأننا نعيش في شكل من أشكال العالم الآخر. كان يمكن رؤية الدمار الاقتصادي في وجوه الناس،في الطريقة التي يتخذون بها القرارات،في العنف،والفقر، والجريمة، أعلى بكثير مما هو عليه في بقية ولاية إنديانا. وعندما كنت في المدرسة الثانوية، رأيت ساوث بيند تظهر على قائمة عشر مدن تحتضرفي الولايات المتحدة، وكل مدينة لها طريقتها الخاصة في التعايش مع هذا اليأس. وعلى الرغم من أن ملايين الأشخاص يعيشون في هذه المناطق، إلا أنهم يظلون غير مرئيين، فلا يوجد فن يعبر عنهم، وعندما لا يوجد فيلم ولا كتاب ولا سلسلة تتحدث عما تعيشه، يكون لديك انطباع بأن قصصك وحياتك لا تهم وليس لديك وجود.
يبدو أن الإنترنت والشبكات الاجتماعية يمثلان خيطًا مشتركًا آخر في روايتك؟
-يقضي الكثير منا وقتًا على شاشاتنا أكثر مما نقضيه في العالم الحقيقي، لقد أردت أن أشهد على العواقب على عقولنا، وعلى طريقتنا في التواصل، وعلى سلوكنا، وعلى حس الفكاهة لدينا. إنه لخطأ فادح أن نتخيل أنها تقنية محايدة يمكن استخدامها في الخير أو الشر. لقد أظهرت طريقة التعامل مع الانترنت أن الأمرقبل كل شيء يتعلق بجني الأموال، من خلال الإعلان أو عن طريق جمع بياناتنا. لقد كان لنموها آثار ضارة على الصحة العقلية، خاصة بين الشباب، ولكن أيضًا على الديمقراطية.