الدكتور بدرخان السندي كاتبكوسوفو احتلتها الدولة العثمانية وبعد الحرب العالمية الأولى قررت الدول الكبيرة المنتصرة إعطاءها إلى صربيا وضمها إليها مثلما أعطت وضمت الكثير من الأصقاع والشعوب إلى الآخرين وكأن الشعوب والبلاد هدايا توزع وتضم إلى الآخرين فأصبحت جزءاً من صربيا التي تقف
اليوم بالضد من مسألة استقلال كوسوفو ومن قرار المحكمة الدولية الأخير في مشروعية استقلال كوسوفو. لقد عانت كوسوفو الكثير من الدمار وحروب الإبادة الجماعية والمذابح التي جرت ضد سكانها حيث كانت أساساً تتمتع بالحكم الذاتي حتى اضطر هذا الإقليم إلى إعلان استقلاله في 17/ شباط/ 2008 في حركة رد فعل مناضلة ضد أبشع أشكال الاضطهاد العنصري الذي كانت تشنه صربيا بلا هوادة ومنذ سنوات طويلة على سكان كوسوفو . اختلفت ردود الفعل من إعلان الانفصال ففي الوقت الذي أيدته الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الإسلامية نجد ان روسيا قد رفضته بشدة وهي لما تزل إلى اليوم ترفض استقلال كوسوفو وبشكل متزمت يلفت الانتباه. حسناً فعلت الدول التي دعت إلى جلسة عاجلة في حينه لمجلس الأمن من اجل ان تصبح كوسوفو عضواً في الأمم المتحدة والتي يفترض ان تحصل على اعتراف 97 دولة من اجل ذلك . ان من الأمور المؤسفة جداً ان نجد في القرن الحادي والعشرين تزمتاً لدى بعض الدول الأوربية إزاء استقلال كوسوفو لا لشيء إلا لأن ما يصدق على مشروعية استقلالها يمكن ان يصدق على مشروعية استقلال أقاليم غير راضية عن ضمها الى تلك الدول على سبيل المثال اسبانيا التي بقيت تعارض استقلال كوسوفو وممارسة حق هذا الشعب في تقرير مصيره لا لشيء إلا لأن اسبانيا تخشى بدورها انفصال إقليم (الباسك) عن اسبانيا لذا تعتبر استقلال كوسوفو (امراً غير مشروع ويخالف اتفاقية وقف النار) . وهكذا ما زالت بعض الدول المتقدمة حضارياً وإنسانياً تشرعن او تحرم ما هو مشروع وغير مشروع من منطلق مصالحها الإقليمية وليس على أسس موضوعية إنسانية . للأسف الشديد ما زالت قضايا الشعوب ومصائرها وحقوقها في العيش حرة مستقلة تخضع إلى معايير سياسية جائرة دفاعاً عن سياسات كوليانولية أكل الدهر عليها وشرب حتى ان ولاة الكوليانولية رفعوا أيديهم واعترفوا بالكثير من أخطائهم وما زالت الجهات المضطهدة لهذه الشعوب متمسكة بهذا (الحق) الممنوح لها بعد الحرب العالمية الأولى . أن صربيا تعد نفسها اليوم وقد سلب منها حق من حقوقها السيادية وتقف بضراوة ضد قرار استقلال كوسوفو وكأن كوسوفو قد خلقت من اجل ان تكون تابعة الى صربيا والى أبد الآبدين ...!! ان كل أشكال التشكيك والطعن بحق كوسوفو في الاستقلال باتت فاشلة وغير مجدية إزاء رأي المحكمة الدولية الاستشاري والذي يؤكد بوضوح تام ان إعلان استقلال كوسوفو لا ينتهك القانون الدولي ولا القرار (1244) وأن رأي المحكمة هذا يفترض ان يضع حداً للنقاش الذي استمر منذ إعلان كوسوفو استقلالها في 2008 . اننا نأمل من صربيا ان تنتهج نهجاً واقعياً إزاء إرادة الشعب الكوسوفي وان الاستمرار في رفض استقلال كوسوفو رفضاً مطلقاً واستمرار اعتبارها لكوسوفو إقليماً جنوبياً وجزءاً لا يتجزأ من أراضيها امر بدأ المجتمع لا ينظر اليه بعين الرضا فقد ولى كما ذكرنا عهد السيادات القسرية وان للشعوب حق تقرير مصائرها ونرى أيضاً ان صربيا التي تستمد روح الإصرار من الدعم الروسي، أن مثل هذا الدعم لا يمكن ان يقاوم إرادة شعب كوسوفو ورغبة المجتمع الدولي الذي بدا واضحاً في تأييده لقضية استقلال كوسوفو وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية . من هنا نقول ان امثل حل واقعي اليوم هو ان تسعى الدول ذات الشأن في هذا الموضوع فضلاً عن جهود الأمم المتحدة إلى تطبيع العلاقة الجديدة بين كوسوفو وصربيا وان تقوم على الاحترام المتبادل وتأمين المصالح المشتركة بين البلدين ، وان تحقن الدماء لأن شلالات الدم النازفة لسنوات خلت ما فيها الكفاية في ان يضمد شعب كوسوفو جراحاته ، وان تبزغ في سماء أوروبا نجمة جديدة اثقلتها المظالم واتخنتها المذابح والجراح إلى أن تمكنت من ان تبزغ . تحية أجلال واحترام وتهنئة الى شعب كوسوفو المناضل في استقلاله المشروع . وتحية أجلال وتقدير لكل الدول التي وقفت إلى جانب عدالة قضية كوسوفو.
استقلال كوسوفو نقطة تحول تاريخي فـي قضايا الشعوب المضطهدة
نشر في: 13 أغسطس, 2010: 06:28 م