حازم رعد
تلعب الفلسفة مجموعة ادوار بارزة في رواق المجال العام اذ هو موضع اشتغالها والمستهدف من وراء بحثها الدؤوب عن الحقيقة "الاعتراف بمسؤوليتها بالنظر في مشكلاته وهمومه" وتلك الادوار لا تقتصر على الجانب التنظيري اي لا تنحصر في مجال البحث والحفر المعرفي والنقد اي الفلسفة في مستوى ادراك ما ينبغي ان يعلم،
بل تتعدى ذلك المستوى لتنشغل بالممارسة والتصرف المناسب وهو ما يسمى عادة بالحكمة العملية "ادراك ما ينبغي ان يعمل" اي النظر في موارد السياسة والاخلاق والتربية وغيرها مما يسعه مجال العمل والسلوك.
ان من اهم الادوار الني تلعبها الفلسفة في واقع الانسان هو النظر في المشكلات ومحاولة البحث في البؤر والبيئات التي اسهمت في انتاجها اذ لا جدوى من معرفة المشكلة دون الوقوف على مصادر انتاجها اذ تلك تحتاج الى عملية تجفيف واستئصال حتى نطمئن لعدم بروز مشكلات مشابهة في مستقبل الايام وبذلك نضمن سلامة الواقع من نوع من المشكلات، ان المشكلات امر ملاصق للانسان على الدوام فلا حراك اجتماعي ولا سياسي ولا اقتصادي خالي من احدى المشكلات ومعنى ذلك ان يستمر دور الفلسفة في النظر في هذا المستوى من المهمات لوضع الحلول والمعالجات المناسبة لكل مشكلة.
ومما تقوم به الفلسفة من دور يمثل في الواقع صميم عملها وهو صناعة المفاهيم بوصفها ما يعطي الاشياء مبرر فهمها والتعامل معها اذ بدون المفاهيم تتشضى الدلالات وتمنى علاقات الانسان مع العالم بالفوضى وعندها يضيع المعنى وندخل دائر العبث وانعدام الجدوى، نحن لا نستيطع ان نفكر من دون مفاهيم فكما ان الفلسفة تتناول الافكار بالتداول والتحليل والنقد هي ايضاً تفكر بالاشياء والعالم من خلال المفاهيم ولا يمكن بحال الامساك على معنى او جزء من الحقيقة دون وجود مفاهيم من خلالها ننفذ الى مستوى فهم الاشياء والتعامل معها فحتى التصرف يحتاج الى مفاهيم اذ بغير تسمية الاشياء بمسمياتها تضيع الحقيقة ويتبعثر المعنى ولذا مان ارسطو يقول "حددوا مفاهيمكم" وهذه مقدمة اساسية للوقوف على حقيقة الاشياء وفهمها والتصرف معها، وهذه مهمة اساسية ودور مهم للفلسفة تمارسه في المجال العام.
الدور الاخر للفلسفة لا يقل اهمية عما سبق فهي تحاول الفلسفة منذ بداياتها ان تذيعه في الواقع وهو نشر الافكار الفلسفية في اروقة المجتمع وتاريخياً "بدأت الفلسفة شعبية مع سقراط اذ كان الاخير مهتماً بنقل الفلسفة الى عامة الناس فينقل لنا التاريخ انه كان يتجول في الشوارع والساحات العامة ويحاور ويسأل من يلقاه او المارة في تلك الامنة" والقصد من نشر الافكار الفلسفية ليس غير نشر القيم والمفاهيم التي باستطاعتها تغطيه سلوك الانسان وتوجيهه وتصويبه بحيث يكون تصرفه اكثر مقبولية وعقلانية، ان نشر الافكار الفلسفية في الواقع يعزز من دور العقل فيه اذ هو المنهج الاساس في الفلسفة كما تنه اعدل الاشياء توزيعاً بين الناس وايضاً هو اكثر ما يحصل عنده التوافق فيما بينهم اذا طرح فكرة او استحضر دليلاً او حجة من اي نوع، فاللجوء الى العقل افضل الطرق الممكنة لعقلنة الواقع وجهله اكثر مقبولية ومعقولية.
ثم ان واحدا من اهم ادوار الفلسفة هو تمرين الانسان على النظر المجرد غير الخاضع للمسبقات والايديولوجيا، اذ التفكير الناضج الحر يتيح للانسان رؤية الواقع "كما هو" على حقيقته بلا رتوش ولا تشويه وبلا اسقاط للمسلمات القبلية عليه، اذ تعمل هذه المسلمات على اختصار طريق الواقع المتجه صوب فكرة او عقيدة ما وتختزل الحقيقة فيه وتستبد بها وفي ذلك اقلال من سعة الفضاء العام وترجيح بلا مبرر يقتضي ذلك، بينما منظار الايديولوجيا "الذي يرتديه بعض الناس وينتمون اليه" يعكس الواقع مشوهاً مغلفاً بوهم المفاهيم والشعارات، فتغيب الرؤية الواقعية ويدخل الانسان دوامة من الصراع مع نفسه ومع الاخرين، والمحصول من كل ذلك هو الوهم لا شيء غير الوهم.