TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مشروعية سحب المرسوم الجمهوري الكاردينال ساكو نموذجا

مشروعية سحب المرسوم الجمهوري الكاردينال ساكو نموذجا

نشر في: 16 يوليو, 2023: 12:23 ص

هادي عزيز علي

اصدر رئيس الجمهورية المرسوم الجمهوري رقم 31 لسنة 2023 المتضمن سحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013 المتضمن تعيين البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو متوليا على اوقاف طائفته وقبل تناول اشكالية هذه الواقعة لا بد من الوقوف على ما قاله فقهاء وشراح القانون الدستوري في المرسوم الجمهوري من حيث تعريفه وانواعه. للمرسوم الجمهوري تعاريف عدة الا اننا وجدنا احدهم يعرفه بانه:

( وثيقة يصدرها راس النظام اثناء القيام بواجباته المتعلقة بالمهام الموكله له من الوجهة الدستورية) ويكون راس النظام عادة من الملوك او من رؤساء الدول وسواهما. تتوزع المراسيم التي يصدرها راس النظام على ثلاثة انواع وهي: المراسيم التشريعية والمراسيم التنفيذية والمراسيم الادارية وسوف نمر بايجاز على كل واحد من هذه الانواع بغية الوقوف على مدى مشروعية سحب المرسوم الجمهوي الصادر بهذا المفضي الى تجريد الكاردينال ساكو من التولية موضوع المرسوم المذكور.

النوع الاول – مراسيم تشريعية – وهي تلك المراسيم التي تمنح راس السلطة صلاحية اصدارها وتكون ولها قوة القانون وقد اعتمد هذا النوع من قبل بعض الملوك ورؤساء الدول، وقد تعلق الامر بالعراق فان هذه المراسيم كانت معتمدة لدينا اذ كان يصدرها رئيس النظام السابق تحت مسمى (قرارات جمهورية) ولها قوة القانون وتلحق بالنسيج التشريعي العراقي بمجرد صدورها، الا ان العمل اوقف بهذا النوع من المراسيم ولم يعد لرئيس الجمهورية صلاحية اصدارها حالما وضع الدستور الحالي (دستور 2005) موضع التطبيق لان احكام المادة (62 / ثانيا) من الدستور حصرت التشريع بمجلس النواب فهو السلطة التشريعية الوحيدة المخولة بتشريع القوانين. هذا وان المرسوم الجمهوري رقم 31 لسنة 2023 الذي اصدره رئيس الجمهورية لا يندرج تحت احكام هذا النوع من المراسيم لخلوه من اسبابه التشريعية .

النوع الثاني – المراسيم التنفيذية – وهي مجموعة المراسيم التي يصدرها الملوك ورؤساء الدول بغية تنفيذ نصوص قانونية نافذة الزمت راس النظام باصدار المراسيم لها، كالمراسيم الصادرة بتعيين القضاة حيث انها تستند بصدورها الى قوانين التنظيم القضائي وكذلك المراسيم التي يكون موضوعها منح الاوسمة او النياشين فان صدورها ياتي استجابة للنصوص القانونية لقانون الاوسمة والنياشين وهكذا تصدر المراسيم الاخرى في الحالات المتناظرة لما ذكر. وباختصار فان هذا النوع من المراسيم ياتي استجابة لقوانين نافذة تدخل ضمن اصلاحيات المخولة لراس النظام. وهنا ثانية فان المرسوم الجمهوري الاخير لا يدخل ضمن هذا النوع من المراسيم لكونه ليس من المراسيم التنفيذية

النوع الثالث – المراسيم الادارية – النوع الثالث من المراسيم ماهي الا قرارات ادارية تصدرها دوائر الدولة او مؤسساتها سواء صدرت من اعلى رأس في النظام او من اصغر موظف فيه مخول باصداره، اذ يعرف القرار الاداري حسب فقهاء القانون الاداري وشراحه بانه: (عمل قانوني صادر بالارادة المنفردة والملزمة لاحدى الجهات الادارية في الدولة لاحداث تغيير في الاوضاع القانونية القائمة او بانشاء مركز قانوني جديد او تعديا لمركز قانوني قائم)، وعرف ايضا: (هو ذلك القرار التي تفصح عنه الجهة الادارية عن ارادتها الملزمة في الشكل الذي يتطلبه القانون بما لها من سلطة مستمدة من القوانين او اللوائح بقصد احداث اثر قانوني يكون ممكنا جائزا ابتغاء مصلحة عامة). عليه ولما كان المرسوم الجمهوري الصادر عن رئيس الجمهورية بالرقم (31) لسنة 2023 المتضمن سحب المرسوم الجمهوري رقم 147 لسنة 2013 غير مشمول باحكام المراسيم التشريعية ولا المراسيم التنفيذية وهوبذلك لا يتعدى القرار الاداري لشموله بالشروط القانونية للقرار المذكور. يشترط للقرار الاداري: اولا – صدوره من سلطة ادارية وطنية وهذا ما ينطبق على رئيس الجمهورية فهو سلطة ادارية وطنية . اما الشرط الثاني – صدوره بالارادة المنفردة للادارة، وهو انفراد رئيس الجمهورية باصداره بتلك الصفة. اماالشرط الثالث – فهو ترتيب اثار قانونية للقرار وهذا ما حصل فعلا بنزع التولية من المتولي.

لمن اصدر القرار الاداري له صلاحية سحبه (للعيب) اي ان يكون معيبا من الوجهة القانونية وغياب شرط العيب يحول دون قرار سحبه. يعرف السحب بانه: (ازالة اثار القرار الاداري بالنسبة للماضي والمستقبل بحيث يعتبر القرار معدوما من تاريخ صدوره اي تجريده من قوته القانونية باثر رجعي). فالمرسوم الجمهوري رقم 31 لسنة 2023 اعتقد ان مرسوم التولية شابه عيب يوجب السحب، فالسحب هنا اجراء تتخذه الادارة بغية عدم خلق اثار لذلك العيب مما يجعلها في حرج امام القضاء وامام الخصوم او تكون في مواجهة المادة 100 من الدستور التي تنص على: (يحظر النص في القوانين على تحصين اي عمل او قرار اداري من الطعن) وهذا الظن كان محل المرسوم المذكور.

لكن مرسوم التولية المسحوب لم تلحقه شائبة العيب اذ صدر على وفق الاسباب والشروط التي يتطلبها القانون والدستور لاصداره اذ ان رئيس الجمهورية حينئذ قد باشر وظيفته الادارية باعتبارها مظهرا من مظاهر السلطة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية وهذا يعني ان القرار صادر عن لدن سلطة ادارية وطنية عند مباشرتها لوظيفتها الادارية في ادارة المرافق العامة للدولة، اما الشرط الثاني له - فهو صدوره بالارادة المنفردة للادارة وحظي بقبول المخاطبين ويتمتع بالصفة الالزامية كونه تعبير عن مصلحة تخص تشكيل مهم من تشكيلات الشعب العراقي، ولم يتخلف الشرط الثالث عن المساهمة في صحة القرار الاداري المذكور كونه قد رتب اثار قانونية عند صدوره بارسائه مركزا قانونيا معينا للجهة المخاطبة به. وبذلك يكون المرسوم الجمهوري رقم 147 لسنة 2013 حاز على الشروط القانوية الواجبة لاصدار المرسوم الجمهوري وخلوه من العيوب التي توجب السحب. فضلا عن انه وضع موضع التطبيق لمدة تناهز العشر سنين من دون ان يتعرض للمخاصمة او للقضاء او لاي طريق من طرق الطعن.

ان المرسوم الجمهوري رقم31 لسنة 2023 لم يكن واضحا من حيث القصد والنوايا وعدم الوضوح وهذا هو الذي دفع مكتب رئيس الجمهورية الى اصدار توضيح له، والتوضيح هذا هو اقرار من مكتب الرئاسة بان المرسوم الجمهوري شابه عيب عدم الوضوح ، كما المرسوم المذكور لم يشير الى العيب الذي يوجب سحب المرسوم 147 لسنة 2013 والعيب هو شرطه القانوني وسبيل سحبه الذي يبنى عليه ومن دون العيب فلا مسوغ قانوني للسحب. خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان اسباب التي دعت اصدار المرسوم بالتولية لا زالت قائمة حتى الوقت الحاضر.

يلاحظ كذلك ان المرسوم الاخير لم يحز حرفية النص فضلا عن بعده عن النجاعة وافضى الى نتيجتين سلبيتن الاولى – الابقاء على كافة المراسيم الجمهورية المناظرة للمرسوم 147 لسنة 2013 مما يبعث على الريبة والشكوك في اسباب صدوره ، اما الثانية – فهي النيل من ارث الراحل مام جلال ووعيه الدستوري على اعتبار ان مرسوم التولية صدر اثناء ولايته لرئاسة الجمهورية .

اخيرا بما ان المرسوم الجمهوري الاخير لرئيس الجمهورية هو مجرد قرار اداري فانه قطعا محكوم باحكام المادة 100 من الدستور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram