TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تغير موازين القوى في العالم وتأثيره على الشرق الأوسط

تغير موازين القوى في العالم وتأثيره على الشرق الأوسط

نشر في: 16 يوليو, 2023: 10:40 م

ساغي سوفينزون

ترجمة :عدوية الهلالي

قد يكون التطبيع بين إيران والسعودية بوساطة الصين هو بداية عهد جديد. فمن ناحية، يتجلى ذلك من خلال الإدارة المشتركة للشرق الأوسط من قبل القوى الإقليمية، أولاً وقبل كل شيء من قبل دول الخليج العربي، لأن القوى العظمى لاتملك الإرادة والقدرة على التصرف كوصية على المنطقة، فالولايات المتحدة تنوي التركيز على الصين، التي تعمل على تطوير قوتها بحلول عام 2049، اما روسيا فيبدو أنها غارقة في حملتها في أوكرانيا.

ومن ناحية أخرى، فإن العصر الجديد للشرق الأوسط يتجسد من خلال تنوع العلاقات الإقليمية، والذي هو في حد ذاته انعكاس للتغيير في موازين القوى في العالم - وهو التغيير الذي يسبب "ذعر العالم".

يؤدي التنويع والإدارة المشتركة لشؤون الشرق الأوسط من قبل قوى المنطقة إلى إعادة تشكيل التحالفات، والتي يبدو أنها تميل نحو الشرق من خلال إعادة تأهيل سوريا في جامعة الدول العربية، وتجمع وزراء الدفاع الروسي والسوري والتركي والإيراني في موسكو،واتفاقية استراتيجية مدتها 25 عامًا بين إيران والصين، والتقارب بين السعودية وإيران في منظمة شنغهاي للتعاون،التي انضمت إليها قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين والإدارة المشتركة للشؤون السياسية من قبل القوى الإقليمية، وإعادة تشكيل التحالفات، والانفراج الدبلوماسي، ومضاعفة المبادرات فكيف ستغير هذه الديناميكيات الشرق الأوسط على مدى السنوات العشرين المقبلة؟

حتى لو كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التنبؤ بالتطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط على مدار العشرين عامًا القادمة فيما يتعلق بالديناميكيات الإقليمية والمحلية فيمكن على الأقل تحديد العواقب بعيدة المدى المحتملة لاتفاقية التطبيع بين إيران والسعودية.

وتشير التجربة الأفغانية إلى نهاية الحلقة التي تدق ناقوس الموت للحريات الأساسية، ومبادئ النظام الديمقراطي "على النمط الغربي". على الرغم من 1000 مليار دولار خلال عشرين عامًا استثمرتها الولايات المتحدة في أفغانستان، فقد غادروا كابول دون منع عودة طالبان إلى السلطة. وباعتراف الجميع، فإن الحلف الأطلسي بشكل عام والقوات الأمريكية بشكل خاص أبعد ما يكون عن الإعفاء من كل اللوم (انتهاك قوانين الحرب، التعذيب في معسكرات الاعتقال) وتبقى الحقيقة أن هذه كان لها هدف معلن وهو تطوير المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية في أفغانستان بطريقة تلبي مصالح الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، أرادت القوة الرائدة في العالم تحويل أفغانستان إلى صورتها بحيث تتبنى في النهاية القيم الأمريكية وتضع نفسها تحت فلكها. ومع ذلك، فإن هذه المرحلة قد انتهت. لقد أصبحت أي محاولة لإضفاء الطابع الديمقراطي على أفغانستان حبرا على ورق، لذا فإن طالبان تطلق العنان لشموليتها الأيديولوجية. وقد ذكرت منظمة العفو الدولية أن حركة طالبان ترتكب انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان، بما في ذلك من خلال الاعتقالات التعسفية، والهجمات ضد الأقليات العرقية، وعمليات الاختطاف والاختفاء القسري. فمنذ عام 2021، استبعدت طالبان الفتيات من التعليم الثانوي والجامعات وأي نشاط داخل المنظمات غير الحكومية، وأجبرت النساء على السفر في وجود رجل (محرم).

كما يحمل قمع الحركات الشعبية بذرة ترسيخ السلطوية وإنهاء "التجربة الديمقراطية". وبعد عشرين عامًا من "الحرب على الإرهاب" وبناء الأمة والثورات المضادة، يبدو أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين يكرس عودة الأنظمة الاستبدادية في معظم بلدان المنطقة. فقمع التظاهرات والطموحات الديمقراطية يرسي أسس عودة القوى المتعنتة إلى المشهد السياسي في الشرق الأوسط. وبدعم من الوضع وتطور الديناميكيات الإقليمية، ربما ستعزز دول المنطقة سلطتها على مدى السنوات العشرين المقبلة، ولا سيما بسبب الثمن الذي تفرضه، والذي فرضته بالفعل، على جيل كامل تجرأ على المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية.

إن الإدارة المشتركة لقوى المنطقة، وتقوية الدول، وتنويعها الاستراتيجي، والانفراج الحالي في الشرق الأوسط، ينذران أيضًا بتراجع محتمل في المواجهات بين الطوائف. ويمكن تقديم حجتين. أولاً، الصراع بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط ليس ظاهرة لا يمكن التغلب عليها، بل هي نتيجة للتنافس الإيراني السعودي الذي شكل تحالفات منذ الثورة الإسلامية عام 1979، والتي "فتحت حربًا باردة في العراق والشرق الأوسط كله ". ويمكن أن يؤدي تنفيذ الاتفاقية بين المملكة العربية السعودية وإيران إلى تقليل دافعهما لدعم الجهات الفاعلة على أسس دينية. ثانيًا، لن تحتاج الأنظمة الاستبدادية ذات السلطة الموحدة إلى اللجوء إلى المنطق الطائفي من أجل البقاء. وبعبارة أخرى، فإن توطيد الأنظمة الاستبدادية، بعد عقد من عدم الاستقرار، من شأنه أن يقلل من الاستقطاب الطائفي. ويستخدم "المنطق الطائفي أيضًا على المستوى المحلي في الدول العربية كأداة للتقسيم والسيطرة الاجتماعية"من قبل الدول.

ومثل بقية العالم، يمر الشرق الأوسط بفترة انتقالية كبيرة مابين تغير المناخ وتحديات المياه والمشاكل المتعلقة بتنمية الزراعة المستدامة والطاقة والتحول الرقمي وبطالة الشباب وتزايد عدم المساواة، وهناك الكثير التحديات التي تهدد البلدان ومجتمعاتها وحكوماتها. وبالتالي تهدف هذه إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة بأي ثمن من أجل خلق بيئة مواتية للأعمال التجارية. وعلاوة على ذلك، فإن أصل انتفاضات عام 2011 كان جزئيًا اجتماعيًا واقتصاديًا ووفقًا للبنك الدولي، كانت الطبقة الوسطى غير راضية عن تدهور مستوى معيشتها بسبب الافتقار إلى فرص العمل في النظام، وتدني الجودة والخدمات العامة وغياب أخلاقيات المساءلة من جانب السلطات العامة. علاوة على ذلك، تقدر وثيقة أخرى للبنك الدولي أنه بحلول عام 2030، "سيعيش أكثر من نصف الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع في بلدان تتسم بالهشاشة والصراع والعنف".

وهكذا، أدركت الأنظمة الاستبدادية أن التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط شرط لا غنى عنه لبقائها. وهم يجادلون بأنه من أجل تحقيق مثل هذه التنمية الاقتصادية، يجب الحفاظ على السلم الأهلي. وفي هذا الإطار الجيوسياسي تتكشف الفرص الاقتصادية والتجارية في الشرق الأوسط، وتستعد الدول لتحديات "العالم القادم". وقد طورت دول الخليج استراتيجية مالية جديدة تهدف إلى تقليل اعتمادها على عائدات النفط وتحويل نموذجها الاقتصادي القائم على ريع الطاقة.

ومن الواضح أن مستقبل الشرق الأوسط غير مؤكد. فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بالاضطرابات التي مرت بها المنطقة على مدار العشرين عامًا الماضية. ومع ذلك، فإن ممارسة التفكير في مسار الدول على مدى عشرين عامًا، في ضوء الاتجاهات الرئيسية، لا معنى له. لأنه إذا لم يجعل من الممكن توقع التقلبات التي سيختبرها السكان، فإنه على الأقل يجعل من الممكن شرح الطريقة التي نفهم بها الحاضر.وعلى هذا النحو، يبدو الاتفاق الإيراني السعودي تاريخيًا وحاسمًا لمستقبل المنطقة.

*باحث في شؤون الشرق الأوسط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram