TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > هواء فـي شبك: (ماتبلط يلفكور)

هواء فـي شبك: (ماتبلط يلفكور)

نشر في: 13 أغسطس, 2010: 08:44 م

 عبدالله السكوتيحدث في نهاية ستينيات القرن المنصرم ان الدولة آنذاك اوفدت عددا من العاملين  ، للممارسة على كيفية استخدام عجلات تبليط الشوارع الى دول غربية ، وحدث ان اوفدت احدهم من محافظة البصرة ، وعندما عاد وكأنه رائد فضاء وبملابس زاهية وغطاء للرأس كافلام الكاوبوي ،
 واضعا النظارات على عينيه وقد تجمهر الناس من كل حدب وصوب لينظروا ماذا يصنع، المهم انطلق صاحبنا والهوسات والهتافات من خلفه ، لكنه فوجىء عندما وضع العاملون (الزفت ) داخل الماكنة ليضغط عتلة بقربه وينظر فلايرى تبليطا، كرر العملية عدة مرات بلا فائدة تذكر ، عندها وقف على طول قامته وخلع نظارته وقال : (ماتبلط يلفكور). قسم كبير من الناس يؤمن ان الانسان منذ ولادته يكتب عليه الشقاء او السعادة ، فيولد شقيا او سعيدا ، وكثير من العوائل تسمي ابناءها على اساس الظروف المحيطة بها ، فهذا حزين وذاك ابولوعه والاخر خريبط ، وهذا الامر يكاد يكون متركزا في المحافظات الجنوبية ، ليس لانها تعيسة الحظ كما يدعي سكانها وانما للقهر والظلم الذي وقع عليها ابان العهود السابقة ، اما النظريات الحديثة والتي تصدر من شعوب تمتلك وعيا كاملا بالحياة والمصير، فقد اكدت ان هذا كله عبارة عن خزعبلات لا تعني شيئا ، لان الانسان بحسب نظرة هذه المجتمعات يستطيع صناعة قدره ، نتيجة للتربية البيتية المتكاملة التي يلقاها ، والمدارس المتطورة التي يدخلها وعوامل زرع الثقة  في النفس التي يعمل عليها علماء متخصصون ، في حين ينحصر التفكير لدينا بامور تكاد تكون من المسلمات في مجتمعات اخرى ، من خدمات وعوامل ترفيه ، ولذا فالغراب شؤم والبومة شؤم ، والكوابيس والاحلام المزعجة هي حقيقة واقعة ، وحتى الارنب الحيوان الوديع اصبح محط تشاؤم وخوف ، وهذا لم يكن وليد اليوم او البارحة وانما يمتد الى عهود سحيقة ، وقصيدة الكميت الاسدي حين يتعرض للسوانح والبوارح من حيوانات وطيور دليل اثبات على تركز هذه الاعتقادات بحسب البيئة القاسية التي كان يحياها العربي  حيث يقول : وما انا ممن يزجر الطير همّه   امرّ سليم القرن ام مرّ اعضب اما حكايتنا فلان الموفد انشغل بامور كثيرة لم يرها في العراق ولذا اضاع المعلومات الرئيسة عن كيفية عمل الماكنة  ، واراد ان يرمي بالامر على الناس وحظوظهم التعيسة ، ولذا اتجه اليهم بالقول : (ما تبلط يلفكور ) ، وهذا ما يحدث لدى بعض الناس حاليا حين يستعرض حياة الشعب العراقي المليئة بالحروب والاوبئة والطغاة ، فيقول ان هذه الارض ملعونة منذ ان هبط هاروت وماروت في بابل ، والاخرون يقولون انها بسبب دعاء الاولياء الصالحين ، فالشعب العراقي عريق في النيل منهم وجهل منزلتهم ، حتى وصل الامر اننا لا نمتلك الكهرباء بسبب هذه اللعنات واننا لا نحظى بالخدمات الجيدة لذات السبب واننا نحيا الفاقة والعوز حتى نصل الى تشكيل الحكومة ونربطها بالحظ والقسمة كما ننظر للزواج فهو قسمة والعمل ايضا ، لكننا لا نجرؤ ولا مرة واحدة على مر التاريخ من السير خطوة واحدة باتجاه تدمير هذه الخرافات ونتحد لنصنع اقدارنا كما يفعل الاخرون ، رأيت احد السياسيين يتندر على شاشات الفضائيات ويضحك ، لان الحكومة لايمكن تشكيلها وهو امر من آخر المستحيلات ، فضحكت عليه ، لانه لا يعلم حين لم يعد بالامكان تشكيل الحكومة سيعود الى منفاه، وستتصدى الحركات المسلحة للسيطرة على كل شيء ، ولا يدري الاخرون ان مصائرهم لاترتبط بالاحجار الكريمة او بالحصى الذي يحملونه في جيوبهم بقدر ارتباطها بالشعب وكسب وده والعمل لاجل راحته؛ الارض ليست ملعونة والبومة لا تمثل شؤما والغراب طير وديع والارنب حيوان اليف ، لكن للاسف بعض الوجوه التي تسيطر الان على مقاليد الامور ساهمت في تغيير قدر العراقيين .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram