ذي قار / حسين العامل
يحتفل الصابئة المندائيون، بحلول السنة المندائية الجديدة، والاحتفاء بالعيد الكبير (دهفة ربا)، الذي يعد واحدا من أهم الأعياد الدينية الاربعة لدى المندائيين ويستمر لمدة ثلاثة أيام.
ويتوجه معظم الصابئة المندائيين في مثل هذا اليوم إلى المندي مركز عبادتهم لأداء طقوس العيد وتبادل التهاني بحلول السنة المندائية الجديدة، وذلك بعد انقضاء مدة اعتكاف داخل منازلهم تستمر 36 ساعة متواصلة يطلق عليها الـ(كرصة).
وقال رئيس مجلس شؤون الطائفة المندائية في ذي قار، سامر نعيم في حديث إلى (المدى)، إن "ابناء الصابئة المندائيين يحتفلون اليوم الثلاثاء بحلول العيد الكبير (دهفة ربا) بعد ان امضوا 36 ساعة اعتكاف في منازلهم لإقامة الصلوات والطقوس الدينية التي تحصنهم من مخاطر الارواح الشريرة التي تكون طليقة في هذا الوقت".
وعن طقوس الكرصة، قال نعيم إن "أهم الطقوس تتمثل في التعميد بالماء الجاري قبل ساعات من حلول موعد الكرصه ومن ثم اعتكاف الصابئة داخل منازلهم لمدة 36 ساعة". وتابع، "يقيمون خلالها الصلوات الجماعية وطقوس العبادة والتي تبدأ مع حلول الساعة الاولى من السنة المندائية الجديدة اي مساء يوم الاحد وتتواصل حتى صباح يوم الثلاثاء".
واسترسل نعيم، "وبانقضاء الكرصة يخرج المندائيون من منازلهم لتبادل الزيارات وتلقي التهاني على مدى يومين من جيرانهم المسلمين والمكونات الاخرى وتهنئة بعضهم بعضا".
ويجد أن "الساعات الست والثلاثين التي يقضيها المندائيون معتكفين في منازلهم وهم بكامل ملابسهم الدينية (الرستة) تعد فرصة نادرة لتقوية الاواصر الاجتماعية بين ابناء الطائفة".
وعادة ما تجتمع العائلات المندائية في هذه المناسبة بواقع اربع الى خمس عائلات في بيت واحد لإقامة الطقوس الدينية وتأدية الصلوات وقراءة الادعية والتسابيح خلال ساعات الاعتكاف.
ويبدأ استعداد العائلات المندائية لـ(الدهفة ربا) قبل يوم واحد من حلول السنة الجديدة أي في يوم يطلق عليه (كنشي وزهلي) حيث تتم خلال هذا اليوم طقوس التعميد وعمل الثوابات على ارواح المتوفين (اللوفاني) وتوزيع الصدقات وتنظيف الدور وتهيئتها لاستقبال المناسبة المذكورة.
كما تقوم العائلات المندائية خلال يوم (كنشي وزهلي) بتحضير المواد الغذائية الكافية لتغطية حاجة العائلة لمدة 36 ساعة.
وتأتي اهمية (الدهفة ربا) من كونها تمثل بداية خلق وتكوين العالم المادي بحسب الاعتقاد المندائي اذ يعتقد المندائيون بان الخالق العظيم (هيي رب قدماي) او (ماري) قد امر الملائكة بان يكثفوا الارض وينجدوا السماء وان تدب الحياة في الارض عبر خلق الكائنات الحية.
ويعتقد المندائيون أن عملية خلق وتكوين الارض دامت سبعة ايام وان نهاية الخلق والتكوين قد تمت في اليوم السادس على السابع وفي ليلة يطلق عليها ليلة القدر (دهفة ادشو شيان ربا) وفي هذه الليلة نزلت الصحف الاولى (سيدرا اد ادم) التي نظمت حياة البشرية وفق الاعتقاد المندائي وحل السلام والبركة الالهية على الارض.
ويعزو المندائيون سبب اعتكافهم لمدة 36 ساعة ضمن طقوس (الدهفة ربا) لكون الارض تصبح مهددة بعبث قوى الشر بعد ان تعرج الارواح النورانية ناطري وهي الملائكة الحارسة للأرض إلى السماء في مثل هذا الوقت من كل عام لتقديم الشكر والصلوات والثناء للخالق العظيم على خلقه وتصليبه الارض.
ويرون أن عروج الملائكة الى السماء يجعل الارض خالية من حارسيها وبالتالي معرضة للمخاطر وعبث القوى الشريرة التي يتحرز منها الفرد المندائي في تلك الساعات بالاعتكاف الكرصة داخل منزله مع الحرص على الطهارة الروحية والجسدية والتسلح بالصلوات والادعية وحفظ الانفس من النجاسات.
ويقسم المندائيون الساعات الـ 36 التي تستغرقها رحلة الملائكة بواقع 12 ساعة للعروج إلى السماء و12 ساعة للسجود واقامة الصلوات وتقديم الشكر للخالق العظيم و12 ساعة لعودة الملائكة للأرض واستئناف حراستها من القوى الشريرة.
ويحتفل الصابئة المندائيون الذين يبلغ تعدادهم نحو 60 ألف نسمة في جميع أنحاء العالم، سنويا بأربعة أعياد ومناسبات دينية هي: العيد الكبير (الدهفة ربا)، وعيد الازدهار (الدهفة حنينا)، وعيد الخليقة (البنجة)، ويوم التعميد الذهبي (الدهفة ديمانه)، فضلا عن الاحتفال بمناسبات أخرى لا تقل أهمية عن الأعياد من أبرزها مناسبتا أبو الفل، وأبو الهريس.
وتعتبر الديانة المندائية من أقدم الديانات الحية في العراق، وأول ديانة موحِدة في تاريخ البشرية، وبحسب مصادر تاريخية مختلفة فإنها نشأت في جنوبي العراق، وما يزال أتباعها يتواجدون في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى إقليم الأحواز في إيران، كما يوجد الآلاف منهم في الولايات المتحدة ودول أوروبية أبرزها النرويج وأستراليا والسويد وهولندا، حيث هاجروا إليها واستقروا فيها في غضون العقدين الماضيين.