TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أين العراق من التقرير العالمي للسعادة للعام 2023؟

أين العراق من التقرير العالمي للسعادة للعام 2023؟

نشر في: 17 يوليو, 2023: 11:39 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

لم يعد موضوع الاجابة عن موقع العراق من التقرير العالمي للسعادة للعام 2023 مسألة ترف فكري أو موضوعا غير ذا بال بقدر ماهي مسؤولية وطنية كبرى تهم حاضر ومستقبل كافة شرائح المجتمع العراقي متنوع الطيف الثقافي والاجتماعي من حكام ومحكومين ونخبا ثقافية وعلمية

بل وحتى رجل الشارع حيث مضى مايقارب من عشر سنوات على صدور اول تقرير عالمي للسعادة تم تبنيه من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة في العشرين من آذار / مارس 2013 تحت رقم 281/66. بمجرد إعلانه أضحى يوما عالميا للسعادة تحتفي شعوب العالم ومن ضمنها شعبنا العراقي الذي يواجه أقسى الظروف الداخلية والخارجية التي تحد من تبوؤه مكانة مرموقة بل وعلى الاقل مقبولة نسبيا في مقياس التقرير العالمي للسعادة.

ترتيبا على ماتقدم يبدو جليا أن المعادلة السليمة تقول بإنه كلما أعتقد سكان العالم بأن دولهم قد حققت نجاحات على الارض كلما يمكننا الحكم بموضوعية عالية نسبيا على تصاعد درجة التفاعل الايجابي بين مختلف شرائح المجتمع العراقي. يمكننا القول إذن بإنه ومع مرور الزمن تبدو أهمية بل وضرورة تقديم مؤشرات ومعايير قابلة للقياس معها يمكن معرفة أي الدول والشعوب هي الاكثر سعادة وأي منها أقل سعادة بل ان بعضها وصل لحالة التعاسة الشديدة التي تحمل معها تحديات وتداعيات تختلط بتركيبة معقدة من مشكلات وأزمات تصاعدت حدتها كثيرا في العقود القليلة الماضية من المنظور الجيوسياسي الاوسع والذي يغطي جوانب إجتماعية - تعليمية - علمية - اقتصادية - ثقافية - تربوية وبيئية..

إبتداءا ليس من الميسور تقديم تعريف دقيق جامع للسعادة لإنها تغطي جوانب ـ عناصر- وأبعاد متنوعة منها ما يمكن تحديد معاييره ومؤشراته نظرا لأنه يغطي المنهج الكمي الذي يعني بتوفر المطالب والاحتياجات الفسيولوجية المادية (ماء - غذاء - تعليم - صحة- بيئة نظيفة وأمن الخ) وأخرى نفسية قد يصعب قياسها تقع في الجوانب الروحية - الدينية" أو الايمانية التي من غير الممكن نسبيا التوصل إلى حقيقة كنهها لإنها ترتبط بمشاعر وتوجهات عميقة جدا تختص بطبيعة علاقة الانسان بخالقه وكما يقال"الروح من عند ربي ". أما الحديث عن نظرية السعادة فهي الاخرى لها مداخل ومفاهيم ومسارات تختلف بصورة تتناسب وتتلأقح و ربما تتقاطع مع بيئات حضارية - ثقافية متنوعة خاصة في ما تطرحه من أفكار وايدولوجيات فكرية سياسية - ثقافية - اجتماعية واقتصادية بل وجيوسياسية تنعكس على طبيعة ونوعية حياة المواطنين ومسارات حياتهم عبر مراحل التطور التاريخي - السياسي للامم والدول. العراق دولة لها جذور حضارية وتاريخ عريق لابد من تتبع مساراته وبخاصة كل ما أرتبط بموضوع السعادة او مايقابلها من تعاسة وطريق من الالام والمعاناة والاحزان التي سادت في ظروف العنف او عدم الاستقرار والامان عبر حقب التأريخ القديم والحديث. لاشك أن نجاحات العراق في نقل تجاربه وابداعاته في مراحل التقدم الحضاري كانت مثار إعجاب وتأمل من الحضارات الاخرى والعكس صحيح عندما تكون ارضه مطمعا او مطمحا للهيمنة الاقليمية والعالمية عندها يقل كثيرا منسوب السعادة بل وقد ينعدم.

هذا وفي مقال عنوانها" شيء عن أصل نظرية السعادة والحكم الصالح " اشار الدكتور عامرفياض إلى مقولة مهمة مفادها: " في الحكمة الصينية القديمة هناك نظرية إذا جاز تسميتها بالنظرية فهي (نظرية السعادة) تقول أن السعادة هي هدف الانسان وأمله المرتجى، فإذا كانت السعادة هي الخير، وكان الانسان كائنا إجتماعيا ـ فإن ما يبذله الانسان م جهود بحثا عن السعادة ومن أجل حقيقها، سيحقق السعادة الشاملة للمجتمع بإسره، أما المسئول عن كفالة السعادة للمجتمع والشعب فهي الحكومة الصالحة التي يعرفها بدلالة مسئوليتها أو وظيفتها ". (عامر حسن فياض، الصباح، 5 تموز /يوليو 2023، ص 10). إن مايصعب إيجاد تعريفا او مفهوما محددا للسعادة كون الاخيرة تستند إلى ما ترغب وتتمنى الامم والدول والشعوب والافراد أن يحققوه سواءا على صعيد الكيانات السياسية - الاقتصادية والاجتماعية والثقافية -الحضارية الكبرى وماهو أمر واقع وحقائق يومية اما يصدمون بها كونها تؤثرسلبا وبمرارة على مسارات الحياة العامة او الخاصة لافراد ليس فقط لكونهم ينتمون إلى هويات متنوعة بل إلى ما يختص بالاهداف التي يرجون تحقيقها في الاماد القصيرة، المتوسطة والبعيدة الستراتيجية. الشيء الواضح كلما استطاعت الامم والدول والشعوب جماعات وافراد تجاوز المحن نسبيا او تقليص الفجوة بين مستوى الواقع وفضاء التوقعات كلما يمكننا ان نقول ان نذر السعادة ستترجم واقعا حياتيا. إن تمحور نظرية السعادة - في ظرف السلم المجتمعي - حول الانسان ستنتشر أشعاعاتها ومالأتها ومساراتها إلى كل الوحدات المجتمعية من اضغرها متجسدة بالفرد إلى الجماعة إلى الدولة بجميع مؤسساتها واطيافها التي تضيف ابداعاتها او العكس صحيح من سلبيات القول والفعل المستهجن. من النماذج الايجابية للسعادة تلك التي تخص محفل إفتتاح الهيئة الادارية للمدرسة لأكتتاب التبرعات للمدرسة الجديدة (الجعفرية التي ضمت شخصيات من طيف عراقي ثقافي وعرقي وديني وجهوي متنوع). الاحتفاء توج بزيارة تأريخية للملك فيصل الاول في الثامن من تموز / يوليو 1921 قبيل تسنمه عرش البلاد في 21 آب / أغسطس 1921 أول مبايعة شعبية عامة لمناداة الامير ملكا على العراق حيث أنشد الشاعر جميل صدقي الزهاوي قصيدة عصماء عكس فيها حبه لتقديم العون للمدرسة الجعفرية ولكنه كان يعاني واقعا مأساويا ماديا وليس معنويا استهلها بالبيت التالي

:" لاخيل عندك تهديها ولامال فليسعد النطق إن لم يسعف الحال ".

إن الانعكاس لهذا القول تجسد بعاصفة تصفيق قوية من الحضور لقصيدة الزهاوي العصماء حيث اعلن السيد جعفر العسكري بتبرع مبلغ ثلاثة الآف ربية عنه وعن الشاعر الزهاوي. كما وهذا مهم جدا " وقف الامير فيصل والقى خطابا سياسيا ثم وعد بإنه سيقدم هدية متواضعة لصندوق المدرسة لايفصح عنها الان ". إلا انه" سجل اسمه ضمن الهيئة التدريسية مدرسا فيها (رفعت مرهون الصفار، محلات بغدادية قديمة في الذاكرة، صص28-29، 2014). ترتيبا على ما تقدم ذكره يبدو جليا أن السرور والسعادة لاتختص بفرح شخص واحد مهما كان هدفه نبيلا وجميلا وبألامكان تحققه ولكن تعميم حالة الشعور بالسعادة على الاخرين بصورة تجعلهم شركاء في السراء والضراء مسألة حيوية لإنجاح إنجاز الاهداف التي ترنو القيادة السياسية الرشيدة او الحكيمة الوصول إليها ما يعزز بدوره منسوب او مناسيب الثقة المتبادلة بين الحكام والمحكومين وبالتالي يجسد السعادة على أرض الواقع من خلال مشروعات حقيقية للتنمية الانسانية المستدامة. من هنا، لعل من المناسب الاشارة إلى أن ترجمة مشاعر السعادة إلى وقائع أيجابية ترفع من مستوى نوعية الحياة للمجتمعات يعتمد اساسا على مدى تقدم الدول في ترتيب مقياس مؤشرات السعادة في التقرير الدولي للسعادة للعام 2023 والتي تستند إلى 6 معايير حيوية منها معيار تقليدي يخص معدل الدخل الفردي السنوي وأخرى 5: الدعم الاجتماعي، معدل توقعات صحة الولادات للاطفال، مدى حرية إتخاذ خيارات حياتية، ظاهرة الكرم وأخيرا تصورات عن ظاهرة الفساد التي وصلت إلى مديات عميقة. جدير بالملاحظة أن العراق قد تمكن في عام 2023 من الارتقاء قليلا نسبيا في مواقع التقرير السنوي للعام الحالي إلى مرتبة 98 من 107 في عام 2022. اي لازال وبرغم من الجهد الرسمي يعاني الكثير من المتاعب والضعف أوصلت البلاد لدرجة عالية من الهشاشة. علما بإن اي تصاعد نسبي في مكانة العراق في مؤشر مقياس السعادة العالمي في اجتهادي المتواضع ترجع إلى ضرورة استثمار كافة الجهود جهد الحكومية والاخرى غير الحكومية من منظمات المجتمع المدني - الافراد والعوائل - في دعم شرائح الفقراء والمحرومين والتي يعزز تطبيقها مقولة لازالت سائدة " إرحموا عزيز قوم ذل ". هذا وكلما أتسعت مساحة الفقر والبطالة وتعمق التفاوت الطبقي يستوجب الامر الالتزام السليم والدقيق نسبيا بإنجاز أهداف الامم المتحدة ال17 للتنمية الانسانية المستدامة سبيلا للوصول للسعادة والرفاه للعراقيين. إنطلاقا مما تقدم لابد أن تتجه غاية الدولة العراقية إلى تأكيد الوصول لهدف" الخير العام " والتي تعني التوزيع العادل لكل ما ينتج من عوائد مالية نابعة من مصادر الثروة العراقية (نفط، غاز طبيعي، معادن وغيرها من مصادر الدخل للقطاعات الاقتصادية التقليدية الزراعة والصناعة والخدمات) للعراقيين كافة حيث تعرف عبارة الكافة بإعتبارها الفئات والجماعات المستفيدة من الخير العام: " لا الاحياء منهم فحسب، إنما الاجيال اللاحقة أيضا " (الدكتور محمد طه بدوي أصول علوم السياسة دراسة منهجية، صص190-191) ". ضمن هذا التصور يمكننا أن نؤكد بإن الخير العام وليس الخير الخاص يفترض أن لايتعلق بمجموعة او تكتل حزبي فئوي، ديني - طائفي، عرقي أو قومي أو قبلي او جهوي سائر وفقا لنظام المحاصصة المقيت. لاشك أن كل خطوة محسوبة بدقة علميا وعمليا مع إعتماد تداعياتها ماديا ومعنويا ستعزز - إن سلمت النوايا والنزاهة الوطنية - طريق تمتين قوة الدولة المدنية" دولة المواطنة "وصولا لأهدافها الستراتيجية إتساقا مع توافر أمكانية / إمكانات او قدرات مناسبة وفاعلة لمواجهة تحديات البناء والاعمار والتنمية الانسانية المستدامة. محيط يؤسس بحق لمشاعر غامرة شاملة بالسعادة للمجمتع وللدولة العراقية تنتج لنا مشروعات منتجة ومبدعة تتوافق وتتكيف مع متطلبات عصر التقنية الحديث في أزمان قياسية هذا إذا توافرت الارادة السياسية الفاعلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram