متابعة المدى
مع اشتداد موجة الحر في أوروبا، أصدرت معظم المدن الرئيسية في إيطاليا تنبيهات حمراء إلى خطورة الحرارة الشديدة. ويتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى ذروتها نهاية هذا الاسبوع مع وضع 23 مدينة في حالة تأهب قصوى – بدءا من ترييست في الشمال الشرقي إلى ميسينا في الجنوب الغربي.
وتعني تلك التحذيرات أن الحرارة المرتفعة تشكل تهديدا للجميع، وليس للفئات الضعيفة فقط. وتستعر حرائق الغابات في جميع أنحاء القارة، من بينها اليونان وجبال الألب السويسرية. ويتأثر ملايين الأشخاص في نصف الكرة الشمالي بدرجات الحرارة الحارقة. وينتج هذا عن وجود نظام ضغط مرتفع مما يجلب هواء استوائيا أكثر دفئا، في الوقت الذي يوجد فيه حاليا تيار عالق فوق وسط أوروبا. ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع الحرارة حتى يوم الأربعاء في معظم أنحاء جنوب أوروبا، بعد عدة أيام من درجات الحرارة التي تزيد على 40 درجة مئوية.
ويقول قسم الأرصاد الجوية في بي بي سي إن أجزاء من جزيرتي سردينيا وصقلية الإيطاليتين ستكون الأكثر سخونة مرة أخرى، إذ ستبلغ درجات الحرارة المرتفعة حوالي 46 درجة مئوية أو 47 درجة مئوية.
ووصفت وسائل إعلام محلية موجة الحر، التي اجتاحت البلاد، بأنها فترة من "جهنم" - أو "أسبوع الجحيم".
وطلبت وزارة الصحة الإيطالية من غرف الطوارئ في جميع أنحاء البلاد تفعيل ما يسمى بـ"أكواد الحرارة"، وتكليف مجموعة منفصلة من الطواقم الطبية بمعالجة الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض الناجمة عن الحرارة.
واتخذت تدابير مماثلة في بداية عام 2020، عندما أصبحت إيطاليا بؤرة وباء كوفيد في أوروبا.
وكانت هناك زيادة بنسبة 20 بالمئة في عدد المرضى الذين نقلوا إلى المستشفيات بأعراض مرتبطة بالحرارة، مثل الجفاف والإرهاق وضربة الشمس والارتباك، بحسب ما قالته وزارة الصحة.
وأفادت تقارير ببلوغ الحرارة درجات قياسية جديدة، وصلت 41.8 درجة مئوية في العاصمة روما يوم الثلاثاء.
وحدث انقطاع للتيار الكهربائي في باليرمو، عاصمة صقلية، نتيجة ارتفاع الطلب على أجهزة تكييف الهواء.
ولا تزال التنبيهات الحمراء سارية في جميع أنحاء إسبانيا واليونان وأجزاء من البلقان.
ومن المتوقع أن تنخفض درجات الحرارة اليوم الخميس بالنسبة للكثيرين في أوروبا، بما في ذلك شمال إيطاليا – وعندئذ ستزال التنبيهات الحمراء في ست مدن.
ونبهت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن الموجة الحارة في أوروبا قد تستمر حتى أغسطس/آب، وأن درجات الحرارة القصوى التي تجتاح العالم هي الوضع الطبيعي الجديد في عالم يزداد دفئا بسبب تغير المناخ.
قالت إحدى نقابات العمال في اليونان، إن العاملين في أكروبوليس بأثينا، وهي إحدى أهم مناطق الجذب السياحي في اليونان، سيتوقفون عن العمل لمدة أربع ساعات يوميا اعتبارا من يوم الخميس احتجاجا على ظروف العمل أثناء الحر.
كما بدأت تجتاح حرائق غابات متعددة جميع أنحاء البلاد منذ يوم الاثنين – ومن ذلك حرائق أدت إلى إجلاء 1200 طفل من مخيم صيف وتعرضت جزيرة لا بالما الإسبانية للدمار بسبب حرائق الغابات، التي سيطرت السلطات عليها الآن بفضل درجات الحرارة الباردة بين عشية وضحاها.
ودمرت الحرائق حوالي 3500 هكتار (8700 فدان) من الأراضي، وأحرقت حوالي 20 منزلا ومبنى وأجبرت 4000 من السكان على الإخلاء.
ويخضع أكثر من 80 مليون شخص في الولايات الغربية والجنوبية للولايات المتحدة لتحذيرات من موجة حر "قاسية وواسعة النطاق".
وفي الصين سجلت بكين رقما قياسيا من درجات الحرارة إذ بلغت أعلى من 35 درجة مئوية خلال 27 يوما.
وكثيرا ما نبه العلماء إلى أن تغير المناخ سيجعل موجات الحر أكثر تواترا وشدة وستستمر لفترة أطول.
ويقول خبراء إن أوروبا على وجه الخصوص ترتفع درجة حرارتها بشكل أسرع مما توقعته العديد من النماذج المناخية.
وأفادت تقديرات بأن أكثر من 61 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب الحر في أوروبا العام الماضي، وهناك مخاوف من أن يكون الوضع هذا العام مماثلا لذلك.
وما زال استمرار الحر الشديد يهيمن على أجزاء كبيرة أخرى من العالم في أجزاء أخرى من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية.
ودعت الأمم المتّحدة العالم إلى أن "يستعدّ لموجات حرّ أكثر شدّة"، في تحذير يتزامن مع موجة حرّ شديد يعاني منها سكّان النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
وقال جون نيرن، المستشار الرفيع المستوى لشؤون الحرارة الشديدة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تصريح للصحفيين في جنيف إنّ "شدّة هذه الظواهر ستستمرّ في الازدياد، وعلى العالم أن يستعدّ لموجات حرّ أكثر شدّة". وأضاف أنّ "ظاهرة إل نينيو التي أُعلن عنها مؤخراً لن تؤدّي إلا إلى زيادة وتيرة موجات الحر الشديد هذه وشدّتها". وأشار نيرن إلى أنّ "إحدى الظواهر التي لاحظناها هي أنّ عدد موجات الحرّ المتزامنة في نصف الكرة الشمالي زاد ستة أضعاف منذ الثمانينيات، وليس هناك أيّ مؤشّر على أنّ هذا المنحى سيتراجع".
ويعزو الخبراء تغير المناخ إلى غازات الاحتباس الحراري التي تحجز الحرارة. وتؤدي الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز دوراً مهماً في منع انعكاس بعض اشعة الشمس إلى الفضاء.