طالب عبد العزيز
التخلف في مرافق الدولة يرجع بالاصل الى العقلية التي تدار بها أيِّ دولة، وواضح أنَّ دولتنا تعمل بعقل فاسدٍ أولاً ومتخلف ثانياً، وإلا بماذا نتحدث عن العقلية التي تفكر بها بلدية البصرة مثلاً؟ هي التي لم تستطع أنْ تغرس شجرةً واحدةً تناسب أحوال الطقس في المدينة الملتهبة هذه،
وظلت مصرةً على غرس النخيل في الجزرات الوسطية، على الرغم من الهلاكات المتكررة، غير مدركة بأن النخلة شجرة خلقت لتغرس في البساتين، وقرب الانهار، لا في الارصفة والجزرات، وهي بحاجة الى نصف طن من المياه يوميا في الصيف، ولا تمنح الظلال الكافية وهي بطيئة النمو.
في الفسحة التي تركتها أمام البيت وهي بمساحة نصف دونم غرست ثلاث شجرات 2008 نوع برهام، هي الآن الدالة الاكبر على البيت، فقد سمقت، وتضخمت، وفيَّأت، وطالت، وتعملقت، وعظمَ شأنها بشكل لا يصدق وفي بحر سنوات، والله أعاني من تضخمها، فالبرهام شجر معروف في المدينة بسرعة نموّه، وعمره الطويل، وضخامته، وسعة اغصانه، وطيب رائحته في التزهير، فضلاً عن ملائمته للبيئة الحارة والجافة أو الرطبة ايضاً، وقد غرسه أجدادنا قبل أكثر من مئة وخمسين سنة، بمعنى ما فأنَّ الشجرة هذه هي واحدة من الاشجار المناسبة للبصرة، ترى لماذا تصرُّ بلدية البصرة بعقليتها البليدة على غرس النخيل، وشجيرات شوكية قبيحة من نوع الصفصافيات الابرية، التي تخدش أيدي المارة؟
في حديث لي مع أحد المهندسين الزراعيين عن هموم تشجير شوارع وساحات المدينة أشار الى العقلية البليدة التي تتحكم بذلك، لكنَّ الامر لا يقف عند البلادة هذه إنما يتجاوزها الى الفساد، فهي برأينا لا تختلف عن قضية المقرنص الموضوع والمرفوع بشكل مستمر من الارصفة، والمتسبب بإنفاق ملايين الدولارات. هناك العشرات من المشاريع التي يتداخل الفساد فيها مع الغباء، أو يجتمعان ويتظافران معاً، وإلا ما معنى أننا وبعد عقدين من الزمان لا نجد شجرة واحدة نتفيأها أو ننتظر عندها سيارة الاجرة؟ ولماذا تنجح زراعة الاشجار المعمرة والكبيرة في حدائق البيوت والمتنزهات الشخصية وتفشل في شوارعنا؟
نرى بأنَّ مشاريع صغيرة كثيرة تسبب بهدر مريع في الاموال، لكنها لم تراقب من قبل السلطات القضائية، كالادعاء العام، وفرق النزاهة، والمفتشية العامة. ربما سيكون المحافظ بحاجة الى قول كلمة فاصلة لبلدية البصرة مفادها الكفّ عن زراعة النخيل والشجيرات الصغيرة، والتوجه الى زراعة الاشجار المعمرة المناسبة لأجواء المدينة كالبرهام والكالبيتوس. كنت ومن باب التحدي، وقبل ست سنوات لا غير، قد غرست ثلاث أو اربع شجرات كاليبتوس، هي اليوم بارتفاع سبعة امتار، اتنعم واسرتي بالظلال تحتها، وتغزوها الآلاف من حشرات النحل في موسم تزهيرها، ويطلب الجيران اوراقها في الشتاء، كدواء لنزلات البرد والحمّى، ويعرف البصريون أكثر مني أنواع الاشجار المعمرة والعملاقة التي كانت وارفة في شارع الكورنيش والقاعدة البحرية بالجبيلة وشوارع المعقل، شارع إجنادين انموذجاً. وبخلاصة نريد اشجاراً تغطي التبليط والرصيف وتحجب الشمس لا نريد رطبا وتمرا .. ترى لماذا تصر البلدية على تجاهل ذلك كله؟ ألا يريب الامرُ أحداً؟