كاظم الجماسيتشيع في ايام رمضان من كل عام، اجواء خاصة مبعثها الجلال والقدسية لهذا الشهر الموصوف بالفضيلة والكرم لدى جمهور المسلمين، وتمتاز تلك الاجواء بسمات خاصة تفترق فيها عن بقية الاشهر في السنة الهجرية، فهو الشهر الذي انزل فيه القرآن الكتاب المنزل الذي يشكل دستور الدساتير بالنسبة للدين الاسلامي ومئات الملايين من المسلمين المنتشرين من اقاصي الارض حتى اقاصيها،
وفيه ايضا اسرى وعرج رسول المسلمين الاعظم الى السماء السابعة في ليلة وصفها القرآن( خير من الف شهر)، وفيه جرت وقائع تاريخية فاصلة، احدثت اكبر التحولات في التاريخ الاسلامي واعظمها اثرا، فمعظم فتوحات الخلافة والدولة الاسلاميتين حدثت في هذا الشهر، حيث اتسعت رقعة الحكم الاسلامي فشملت اقصى حدود الصين شرقا، واقصى حدود بلاد الافرنجة غربا، واقصى حدود بلاد القوقاز شمالا، واقصى مجاهل افريقيا جنوبا، ومن وحي تلك الاحداث الدينية والتاريخية، اكتسبت ايام رمضان تلك خصوصية اجوائها، حيث التنسك في كل مظاهر الحياة اليومية، اذ يغدو السلوك الفردي اكثرتهذيبا ازاء الاخرين، وفي الاجواء ذاتها تمحى الضغائن من النفوس، ولايعود المتخاصمون متخاصمين، وتبرز مشاهد الالفة بين الاقارب والجيران، اذ يزور بعضهم بعضهم الاخر، يجتمعون على موائد الافطار التي تكون الحميمية ابرز مفرداتها، ويتكرس التوادد والتراحم بين نسيج المجتمع الاسلامي القريب والبعيد على حد سواء.وفي الجانب الاجتماعي تمارس في رمضان بعض الفعاليات الاجتماعية التي امست جزءا لايتجزأ من منظومة التقاليد والعادات الاجتماعية، وبالنسبة للعراقيين فأن لعبة المحيبس غدت اللعبة الشعبية الاولى بين سكنة المناطق الشعبية، حيث يترشح فريقان من منطقتين او حيين متجاورين للتباري في تلك اللعبة، التي تشتمل على اكثر من اربعين لاعبا، مايقرب العشرين من كل فريق، يتبارون للفوز بإحدى وعشرين نقطة، ليكون جزاء الفائز صينية بقلاوة او زلابية، وهما من ابرز الحلويات الفلكلورية العراقية، يدفع ثمنها الفريق الخاسر..وتشتمل موائد رمضان على اكلات خاصة بالمائدة العراقية، تحرص العوائل على الاعتناء بطبخها وتكرار تقديمها في شهر رمضان.ومن فلكلوريات رمضان الماجينة، التي تجتمع فيها ثلة من الصبيان والصبايا، حاملين صواني الشموع وقطع الحلوى الصغيرة(الملبس) واعواد البخور المثبتة في عجينة الحناء، يطوفون بها الازقة، طارقين ابواب البيوت، داعين اهاليها الى الكرم في هذا الشهر الكريم،(حل الجيس وانطينا)، مكرسين تقليدا مميزا لبيئة اجتماعية متضامنة.وتشهد اماسي رمضان عادة ، حضوراً مميزاً في باحات المساجد، بعد اداء صلاة العشاء، للاستماع الى خطب متنوعة تصب في تفسير النصوص القرآنية وتكريس الوعي الديني الملتزم، والحث على ممارسة القيم الانسانية النبيلة والتي تحض على الاخاء والمودة واصلاح ذات البين والتكافل الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع.كما تشهد الايام الاواخر من رمضان، خروج كثيف للعوائل العراقية الى الاسواق، حيث يتسابقون الى شراء اجمل الثياب ومختلف لوازم الاناقة التي تتناسب وبهجة الايام القريبة لعيد الفطر السعيد، فيما الامهات منشغلات بتحضير(الكليجة) العراقية الشهيرة بطعمها ونكهتها المميزين، يسهرن الليل قبل، ليلة او ليلتين من ظهور هلال العيد، مستمتعات بتجهيزها بحشوات الجوز والتمر واللوز.ولعل ابرز سمة ايجابية لطقوس شهر رمضان بوجهيها الرائعين الاجتماعي والديني، سمة الحث على التكافل الاجتماعي، والتي يقف في المقدمة منها اجزال العطاء للفقير، و(المسكين وابن السبيل) حيث تقضي التعاليم الاسلامية ان يدفع ذو المال خمس من ماله لدعم الشرائح الاكثر فقرا ومظلومية من شرائح المجتمع والتي ظل حالها هكذا منذ ماقبل ظهور الدعوة الاسلامية وحتى يومنا الحاضر، وفي الجانب الاجتماعي تقضي مبادىء الرحمة الالتفات الى العوائل الفقيرة حقا وتقديم يد العون لها، وهو مايفعله ابناء شعبنا المعروف بغيرته وسخاء روحه الرافدينية واليوم ونحن نعيش هذه الايام الحميمة من العلائق الانسانية النبيلة، احوج ما نكون الى التكافل الاجتماعي، والانساني مع ابناء جلدتنا من المعوزين والذين يتحملون وزر الفاقة وفي عاتقهم عدد من العوائل والاطفال، فضلا عن واجبنا في زيارة المرضى والاسهام في مد يدن العون قدر الاستطاعة لتوفير العلاج لهم ومواساتهم في محنتهم والتخفيف عن كواهلهم جهد الامكان.ولايفوتنا في هذا المقام، مادمنا في مفتتح شهر رمضان، دعوة ذوي الشأن من المسؤولين في شتى مرافق الحياة العامة، سيما الخدمية منها الى الاسهام الجاد والفعلي في تيسير الحياة اليومية للعراقيين المثقلين بهموم ثقيلة تكاد ان تقصم ظهورهم، واكتساب رضاهم ورضا الله طبعا..
رمضان شهر التكافل الاجتماعي
نشر في: 14 أغسطس, 2010: 06:16 م