محمد صادق جرادكاتب وباحثالديمقراطية بأبسط معانيها وممارساتها هي في مراعاة حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة وحق الشعب في التغيير وحرية الرأي والرأي الآخر وأشياء كثيرة باتت هدفا وطموحا لكل الشعوب المتطلعة للحرية والعيش بسلام . وما زال العالم العربي في اغلب بلدانه محروما من هذه الممارسات.
ويبدو ان معظم الممارسات الديمقراطية الموجودة على الساحة العربية ولدت لإعطاء الشرعية للحكومة والنظام القائم وشرعنة سلطته الاستبدادية أو ربما لإقناع العالم الغربي بوجود فضاء من الحرية في تلك البلدان للتخلص من الضغوطات التي تتعرض لها الحكومات العربية من اجل ممارسة الديمقراطية في بلدانها بكل تفاصيلها ومفاهيمها بالرغم من وجود بعض التجارب الناجحة هنا وهناك فنجد إن لبنان بطريقة أو بأخرى تمكن وبحكم تركيبته المتنوعة ان يتخلص من الطوق المحيط به ليبدأ محاولة جدية كي يعيش تجربة ديمقراطية حقيقية مستفيدا من التغييرات الدولية والإقليمية المناسبة لهذا التحول الايجابي.ولكن يلاحظ المراقب للمشهد اللبناني ورغم تعقيد تجربته الديمقراطية إنها تسير نحو النجاح ولكنها تتعرض لمحاولات التقويض من أطراف معنية و مهتمة بنجاحها أو فشلها لان هذه الأطراف تخشى من بداية العدوى وانتقال التجربة الى بلدانها.وهناك تجارب أخرى دارت رحاها في بعض المجتمعات العربية وأفرزت جملة من المعطيات والنتائج كان لها دورا في تطوير وتسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي في محاولة لحل إشكالات السلطة وشرعيتها في معظم البلدان العربية. وفي مثال آخر لتجربة أخرى في بلد عربي آخر قام ملك المغرب الحسن الثاني في أخريات حياته بتحديث المسار السياسي من خلال تعيين المعارض اليساري محمد اليوسفي على رأس الحكومة ضمن توجه إصلاحي أطلق عليه سياسة التناوب..منذ ذلك التاريخ إلى اليوم ماانفك المغرب يلفت أنظار المتابعين إلى ما ينتهجه من سياسات إصلاحية ناجحة تؤسس لمرحلة جديدة من ابرز معالمها إجراءات للإنصاف والمصالحة لطي الماضي القمعي والدموي وتوسيع مجال المشاركة السياسية في مناخ من الانفتاح الإعلامي المتزايد والحراك المدني الحقوقي والجمعوي الآخذ بالتحرر تدريجيا من تقاليد الرقابة السلطوية الماضية.وتجارب أخرى عربية جديرة بالاهتمام كالتجربة الكويتية رغم ما لها وما عليها إلا إنها محاولات في الاتجاه الصحيح للتغيير الديمقراطي في العالم العربي.نريد ان نقول ان الديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع يستدرج الناخب للذهاب أليها بشتى الطرق وليست قوائم انتخابية تفوز وتتسلم السلطة ، بل هي صيغة تحافظ على حقوق الناس وتمنحهم حرية التعبير عن رأيهم وبالتالي صيرورة إرادتهم الفكرية والسياسية المستقلة .من هنا يحاول القائمون على التجربة الديمقراطية العراقية تحقيق مفاهيم الديمقراطية وتجسيدها من اجل اللحاق بركب الحريات الأصيلة في العالم ومواكبة التطور الديمقراطي في المنطقة ولقد شهدت التجربة العراقية نجاحا تصاعديا فلقد انتقلت من مرحلة مجلس الحكم وتعيين حكومة من قبل الحاكم بريمر إلى مرحلة كتابة الدستور والاستفتاء عليه من قبل الشعب ومن ثم الوصول الى انتخابات ديمقراطية لانتخاب برلمان عراقي يحظى بالشرعية وتشكيل حكومة وطنية ولقد شهدنا ولأول مرة في تاريخ العراق تداولاً سلمياً حقيقياً للسلطة وممارسة انتخابات مجالس المحافظات ثم الوصول إلى الانتخابات النيابية الأخيرة في 7 / 3/ 2010 والتي شهد العالم بنجاحها تحت مراقبة محلية ودولية وبقيادة مفوضية مستقلة في ممارسة ديمقراطية فريدة حيث تعودنا في واقعنا العربي أن تفوز الحكومات بنسب عالية في أي انتخابات تشارك فيها و(تنظمها) في نفس الوقت لتفوز فيها في النهاية .في الختام نقول إن علينا أن نستفيد من تجارب الآخرين من اجل إثراء تجربتنا الديمقراطية التي يجب ان يتعاون الجميع من أجهزة إعلامية ومنظمات مجتمع مدني وسياسيين في ترسيخ المفاهيم والقيم الجديدة لنثبت للعالم إننا أهل لها وان الديمقراطية قادمة..
التغيير الديمقراطي فــي العراق والعالم العربي
نشر في: 14 أغسطس, 2010: 06:18 م