TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > بين السياسة والعقيدة!

بين السياسة والعقيدة!

نشر في: 23 يوليو, 2023: 10:11 م

محمد حميد رشيد

عشرون عاماً مرت على التجربة الطائفية بالعراق والتي لم تفلح في أي مكان في العالم بالتعامل مع الديمقراطية وأنتهت في أغلبها بكوارث لسبب بسيط يكمن في كينونة الأحزاب الطائفية وفي كينونة الفكر الطائفي ذاته كونه يتناقض مع السياسة فكرياً وأخلاقياً وعقائدياً

حيث أن الأحزاب السياسية تسعى لتحقيق مصالح الشعب فهي تبحث عن ما يرضي الجمهور لكي يرضى الجمهورعنها وبالتالي يختارها الشعب ويقتنع بها ويختارها في الانتخابات (الديمقراطية) التي لا سبيل أمام الأحزاب السياسية المدنية غيرها فهي تبني سياستها على المتغيرات لا على الثوابت لأن ثابتها الأول تحقيق مصلحة الشعب؛ وأين ما كانت مصلحة الأمة كان ذلك مرادها وهدفها والأمة في نظرالأحزاب السياسية هي الشعب الذي تمثله و(مصلحة الشعب) هو المقدس الأهم وإن تحقيق هذه المصلحة هو ميزان نجاحها الأول!.

بينما تسعى الأحزاب العقائدية إلى تحقيق الفكر العقائدي والدعوة إليه والأهتمام بالدرجة الأولى بحملة العقيدة (الطائفة) وتميزهم على أساس (الولاء) للعقيدة لذا فإن الشعب ينقسم إلى ولائيين منتمين إلى الطائفة التي تمثل (العقيدة الصحيحة) من وجهة نظرهم العقائدية وهؤلاء هم جزء من (الأمة العقائدية)، لذا كانت الأمة من المنظور العقائدي هي كل من يؤمن بالعقيدة بغض النظرعن موطنه وبهذا فإن المواطن شيء مختلف عن الولائي العقائدي وإن الولائي هو الجدير بالثقة والمقدم على من سواه من المواطنين بل يمكن أن يكون المواطن الذي لا يؤمن بالعقيدة عدواً لابد من الحذر منه وقد يكون في موقع العدو العقائدي الذي يستحق التصدي له ومحاربته؛ بل أن الولاء للعقيدة يحتم الولاء لكل حملة العقيدة ويتوسع بحيث يكون الولاء للدولة التي تدين بنفس العقيدة ولو كان على حساب وطنه الذي يسكن فيه وينتمي جغرافياً له ومصلحة الدولة العقائدية مقدماً على مصلحة الوطن ودولته الوطنية (العقيدة أولاً والوطن ثانياً) الولائي أولاً والمواطن من بعده ومن هنا لابد من تسخير كل المكاسب السياسية وغير السياسية لمصلحة العقيدة ولابد من توفير الحماية اللازمة لهذه المكتسبات (الثابته) وعدم التنازل عنها او التفريط بها!.

وهذا مفهوم خطير يمكن إذا ما هددت العقيدة أو حملتها أن تكون هناك حرباً أو حروباً أهلية للتخلص من أعداء العقيدة المباشرين أو التاريخيين ولعل هذا المفهوم المتشدد للعقيدة يوجد (طبقة خاصة داخل الطائفة الواحدة) وهي (طائفة الولائيين) وهم المؤمنين بالعقيدة وفق المفهوم العقائدي المحدد لهذا الحزب العقائدي أو ذاك ولهم ولائاتهم المحدد ومرجعيات خاصة ولهم أعدائهم المحددين سلفاً وبموجب مقايسهم الخاصة ولهم صفاتهم و واجباتهم (الشرعية) التي تعلوا على القوانين الوطنية المعتمدة وهم الجديرين بالثقة والمعتمدين في إدارة الدولة وحماية مصالح المكون العقائدي؛ والمفهوم العقائدي هو المفهوم اذي يؤمن به الحزب ويخطط بموجبه سياسته ويختار مرجعيته العقائدية التي ينصاع لها ولا رأي للحزب أمامها فهي (مقدسة) و واجبة الإتباع ولا يمكن الإشتراط على هذه المرجعية شيء فهي واجبة الطاعة في كل شيء وقولها الحق حتى إذا كان قولها منافياً للمصلحة الوطنية ما دام هي تحقق المصلحة العقائدية التي بموجبها تم إختيار هذه المرجعية ولا رجعة بعد هذا!

وهذا في حقيقته خروج من العقيدة الاساسية الى (عقائد فرعية) تحكمها المرجعيات الحزبية المختلفة وهي مقياس الولاء الحقيقي للعقيدة وليس العقيدة الام الأساسية وقد تتضخم هذه (العقائد الفرعية) لتصبح هي الأساس في التمييز الولائي وهذا قد يجر إلى صراع عقائدي يسيء إلى العقيدة ويضر بها ولا يخدمها.

ومن هذا يتبين أن الصراع العقائدي شيء والصراع السياسي شيء آخر وإن الأحزاب السياسية تهدف لتحقيق مصلحة الناس بينما الأحزاب العقائدية تهدف إلى جر الناس إلى العقيدة التي فيها مصلحة الناس وإن التشدد العقائدي يقسم الناس ويقسم العقيدة الى عقائد فرعية.

ولكن أخطر ما في الموضوع هو أن التفكير العقائدي يحجم الفكر داخل بودقة عقائدية يصعب الفكاك منها بدون أن يكون محكوماً عليه بالخروج عن (الملة) أو الكفر بها حتى وإن كان بقصد تجميع الامة او الحرص على مصلحتها ولا يشفع له نياته الإيجابية الصالحة.

ولعل الدعوات لتشريع قانون د يخص التعرض للمرجعيات الدينية مثالاً حياً للتفكير الطائفي المنغلق تحت عقائد فرعية فلا أحد رجع لهذه المرجعيات الدينية وأخذ رأيها في قانون يخصها تحديداً.

فضلاً عن كون هذه المراجع ليست بحاجة الى تشريع هكذا قانون، فالاحترام والتبجيل الإجتماعي هو اساس التعامل مع شخصيات معنوية ولم نسمع في سابق الزمان في العراق من تعرض لها من الناس بل كانوا دوماً محاطين بهالة من التقديس والتبجيل والاحترام لمكانتهم الدينية والوطنية؛ والحقيقة الواضحة أن من أثار هذا الشيء هم من ينادون بتشريع القانون الأحزاب الطائفية المتعصبة لإنتمائاتها الطائفية الفرعية وكل يتعصب لمراجعه المقدسة الخاصة وقد كاد هذا التعصب أن يشعيل فتيل فتنة دامية تضر بالطائفة ولا تنفعها؛ ثم كيف يمكن أن يصاغ مثل هذا القانون فلو إفترضنا أهمية إحاطة المراجع بقانون يحميهم من التعرض والنقد او السب (وهم ليسوا بحاجة لذلك) فكيف لنا أن نحدد المراجع المشمولين بهذا القانون والذين يستحقون الحماية القانونية؟ وهل سيعرفون بأسمائهم أو صفاتهم؟ وهل هذه القوائم قابلة للتجديد والتطوير والتحديث؟ ثم هل المشمولين بهذا القانون هم المراجع الدينين أو يشمل الشخصيا والمفكرين العقائدين وهل يشمل الاحياء منهم او الاموات؟ الحاليين والمستقبلين أيضاً ثم ما بال المواطنين من غير المنتمين لطائفة و دين بل ما بال المواطن البسيط هل يمكن ان يتعرض للسب والشتم والإعتداء والأهم من كل هذا وذاك هل سيشمل هذا الحمق المقترح جميع المراجع الدينية لمختلف الطوائف والاديان والنحلل والفرق وهل أولئك مقدسون كما نحن نقدس مراجعنا؟...؟ !

ومثال آخر محكوم بالفكر الطائفي الجمعي الذي لا يستطيع التفريق بين ما هو ديني أو تراثي أو حضاري أو ثقافي ما دام هو بعيداً عن ما يمس الطائفة فهو وبكل بساطة يهدم كل هذا رغم وجوده في المكان الغلط ليقضي على الرمزية التراثية التي هي جزء من تراث البلد وثقافته ويبدله بصرح كونكريتي هائل وجديد دون تمييز بين الحجارة الطينية التراثية وبين الصروح الحضارية المعاصرة كمن يهدم برج بيزا المائل ويبدله ببرج كونكريتي عملاق أعلى منه بمراحل واكثر فخامة؟!. دون أن يخطر بباله حماية تلك الصروح التراثية بحلول حضارية وعلمية دون اللجوء الى سذاجة الحلول الهدم! ما دام هو في حماية الخيمة الطائفية وما هو مقدس عند الاخرين ليس مقدساً عنده رغم انه يحكم الاخرين لأن الآخرين ليسوا ولائيين للمذهب فهم مواطنين من الدرجة الثانية!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram