TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الفلسفة تفكير في التفكير

الفلسفة تفكير في التفكير

نشر في: 23 يوليو, 2023: 10:11 م

حازم رعد

لعله من الواضح ان الفارق الجوهري بين الانسان وسائر المخلوقات هو توفر الامكانية عند الاول على التفكير بينما سائر الكائنات نامية وحاسة وتعمل بغرائزها بالمطلق وبحسب تعبير اهل المنطق ان العقل هو الفصل المقوم للانسان عن باقي الانواع التي يشترك معها في الجنس.

ومن الواضح جداً انه لا يقتصر فعل التفكير على تلك العملية التي تشبه التأمل واستبطان الاشياء بصورة سطحية لان ذلك ينتج افكار هامشية لا تغطي الواقع ولا تبصر الطريق امام السالك وتخلق اطراً نظرية ساذجة، بل التفكير المطلوب عملية حفر معرفي بتعبير فوكو في طبقات النص "سواء كان ذلك النص انسان او نصوص معرفية وافكار او اشياء واحداث" فان هذه كلها نصوص وتتوفر على تفصيلات ومعلومات ويمكن اثراء المجال العام بالافكار التي تكتنزها ولكنها متخفية وغير مستنطقه.

ان عملية التفكير التي نقصدها هنا في حديثنا الان هي مجموعة "ستراتيجيات فلسفية" للتحليل الصارم للاشياء بتقسيمها وتجزئتها وفحص عناصرها بدقة عالية، وثم قراءتها بتأني وعمق كبيرين، ومحاولة محاولة ابطال النتائج الظاهرة من خلال طرح الشكوك على الحدث والفكرة لا بغرض الاسائه او انه غير مهم وانما تكون شكوك منهجية غايتها الوصول الى حقيقة الشيء وفهمه وادراك جوهره الحقيقي بدل التعلق بمعطيات بسيطة لا تغني ولا تسمن.

ويمكن ان يأخذ التفكير معنى كونه مراجعة نقدية مستمرة لكل ما يرد على الانسان من افكار ويحصل بين ظهرانيه من احداث ووقائع، وهذه المراجعة هي بمعنى من المعاني اعادة طرح السؤال على الاجابات الاولى والثانية وهكذا دواليك لاجل الحصول على يقين من صدق الاجابات والمدعى والنتائج الظاهرة.

واذن ان التفكير ليس تلك الطريقة التلقائية للتعبير عما يجول في الخاطر فقط في حالته العفوية، وليس ايضاً تلك العملية التأملية البسيطة التي يتعرض بها الانسان للاشياء، وانما هو "ستراتيجيا فلسفية" يتم من خلالها التعرض للعالم بأشيائه واشخاصه ومحاولة الكشف عنها وتحقيق التجديد فيها وقرائتها بالطريقة التي تنسجم مع الراهن المعاصر لتقيد في وضعية الانسان بوجوده الحاضر المتأثر بمشكلاته وصعوباته واحداثه وهذا ما نصطلح عليه الفلسفة روح عصرها ونتاج الثقافة والاجتماع الذي تسود وتقطن فيه.

نعم ان الفلسفة لا ترى ضرورةً على الانسان ان يكون بحجم افلاطون او ماركس او ابن رشد ومن هو على شاكلتهم، بقدر ما تريد من الانسان ان يفكر "فقط يفكر" ويُعمل عقله في الاشياء ويحكم هذه القوة في الاحداث والاشياء والافكار، بحيث اذا عرضت عليه فكرة ما مهما كان مصدرها، فلا يكون غبي بافراط ويسلم بها تسليماً مطلقاً من قبل ان يفحصها ويحللها ثم يحكم عليها بالرفض او القبول او تعليق الحكم.

فضلاً على ان الاستمرار على التفكير ومزاولة نقاش الافكار والاحداث تأملياً ونقدياً هي ما يوسع دائرة الفهم عند الانسان ويصعد من نمو عقله، اذ الاخير ينمو وينضج وتتسع منفسحاته بديمومة مزاولة التفكير ومطارحة الافكار مع بعضها ونقاشها سواءً بشكل فردي او جماعي وان الاخير اكثر افادة لانه يثرى من الاراء والعقول الاخرى التي تمده بما هو جديد او قديم يتم اخضاعه تحت مشارط النظر والتفكير،

على ذلك يقع التفكير في سياق الاولويات في مساق الممارسة الانسانية اذ به يعرف ويحد ومن خلاله يمهد مقدمات التصرف ويعد الارضية النظرية لكل فعل وتوقع مستقبلي ولو لا التفكير لاصبحت وامست سلوكات الانسان ركام من الفوضى والعشوائية التي يرتطم بعضها ببعض ومع الاخر وصارت حياة الناس عبث وخلو لا يطاق اذ حياة فير منظمة بالافكار هي حياة خالية من المعنى وسارحة في فضاء هلامي من الهامش والعشوائية والضبابية، فلذا ان اولى الخطوات التي من الواجب ان يقوم بها الانسان هو ان يفكر ويقطع اجازة الاشتغال بعقله واستئجاره لغيره ليفكر بدلاً عنه فأنسانية الانسان رهينة عقله وممارسته القائمة على التفكير الواعي والناضج.

-ولكن المفارقة تكمن في ان اغلب الناس يفضلون عدم التفكير ظناً منهم ان في ذلك راحة من جهد وتعب اعمال العقل ولذا تراهم يقعون في اخطاء شائعة مثيل التسليم المطلق للافكار الوافدة وافكار السلطة "المهيمنة" دون عناء فحصها وتحليلها، وكذلك نتيجة عدم التفكير يقعون في فخ التعميم واطلاق احكام القيمة على الاحداث والاشخاص والافكار وهذا لوحدة يشكل عائق معرفي امام الانسان ويوقعه في شراك الجهل او الوقوف على حقيقة الاشياء وبالتالي يكون شكل الممارسة اما خاطئاً واما مشوهاً لانه لم يعتمد التفكير والنقد واستخدام سائر ادوات العقل النظرية التي يحسن معها التصرف والعمل.

هذا الذي اسميه العجز والكسل الفكري مألاته خطيرة على الانسان الفرد والمجتمع في آن واحد اذ بسبب ذلك تسيطر القوى المؤدلجة على البلدان وتحكم قبضتها على المقدرات وعلى الموارد البشرية وايضاً بسبب ذلك تطلق الاحكام القيمية الخاطئة مما قد يؤدي الى الاضرار بالناس وبممتلكاتهم وارواحهم وايضاً بسبب عدم التفكير او الطريقة الخاطئة في التفكير يرد البعض موارد الظلم والتعسف واختزال الاخر وقمعه وما الى ذلك من ممارسات هي بالانسان نتيجة حتمية لمقدمة واضحة اما عدم التفكير او الخطأ في طريقة التفكير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram