من يتسنى له التجوال في بغداد --أيام الصحو والمطر -- يروعه ويفجعه ما آلت إليه هذه المدينة الرائعة من سوء المصير.
الخراب مبثوث على كل ناصية، في كل شارع،في الحارات والأزقة،عبر اللافتات والإعلانات، في هندسة البنايات الجديدة بألوانها المتنافرة ونسقها، بالعشوائيات المتسرطنة فوق الأرصفة، بالكتل الكونكريتية الكالحة المتسربلة بالصور وكتابات الخط الركيك و...و... وآخرها وليس أخيرها، خراب النفوس والذمم الذي لا يدانيه ولا يرقى إليه خراب.
أي زلزال حاق ببلاد ما بين النهرين؟، وكم هولاكو حل بالعراق فنفث سمومه لتلوث الضمائر، والذمم، والأنهار والشواطئ، وعمم خرابه ليستوطن في كل مرفق.
أقرأ ما يكتب غيري من إشارات دالة، وإقتراحات بناءة وأفكار خلاقة، وأحس بلوعة الكاتب إذ يدرك إنه يصيح في واد، وينفخ في رماد.. فما من أحد يقرأ، ولو قرأ ما أبدى إهتماما، ولو أبدى إهتماما، فلملاحقة الكاتب وتقريعه وتخوينه وزجه في قائمة المتآمرين.
مطلوب مهندس مدن (جمهرة مهندسين) يعيدون للعاصمة نضارة ونقاء وجهها،الذي شوهته القروح والندوب..... أما من مهندس مدن يقول، ها أنا ذا!!
مطلوب جمهرة أكفاء، يرممون ما تصدع ويهدهدون حزن المدن المبتلاة بالفوضى والإهمال.أما من أكفاء منزهين عن الدنايا يتقدمون؟
ما بال الذين يقرأون القران بألسنتهم دون الأفئدة، ويصغون لترتيله بآذانهم دون جوارحهم يهملون تفسير الآية الكريمة: وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا.
وأمرنا -- كما يذهب جمهرة المفسرين --ليس فعل أمر،بل بتشديد الميم،،امرنا، أي جعلناهم أمراء وأولياء أمر، فهل ينتخي المترفون اللاهون بالقيل والقال وجمع الأموال -الذين عول عليهم الشعب وشيد على وطنيتهم الآمال بإنقاذ وطن يتصدع، وهو قاب قوسين من الإنهيار؟