سعيد القيسي/باحث تراثيتعد ظاهرة المسحراتي من الواقع الجميل في تراثنا العربي والإسلامي، والتنكر لها من أصحاب العصرنة الحديثة هو تنكر لقيمنا وتراثنا، ومظهر خطير من مظاهر تبدل القيم في عالمنا المعاصر، لأن أمة بلا تراث تعد أمة بلا حاضر ولا مستقبل .
وسأحاول جاهدًا عزيزي القارئ أن أضع بين يديك التطور التاريخي والتراثي لفكرة المسحراتي في التراث العربي والإسلامي اهتم المسلمون بالسحور منذ عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قال: تسحروا فان بالسحور بركة، وشدد نبينا الكريم على الصحو للسحور لما فيه مخالفة لليهود، وقال مؤكدا في ذلك: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، ومن هنا نشأت فكرة الإعلان عن السحور، ولكن متى ظهر أول مسحراتي يطوف على بيوت المسلمين؟ ظهرت الفكرة عام 238 هجري عي يد الوالي (عتبة بن اسحق) الذي كان بنفسه يطوف من مدينة العسكر الى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط، وكان الوالي ينادي بصوت جميل (يا عباد الله.. سحروا.. فإن في السحور بركة...) وتطور الأمر في العصر العباسي وبالتحديد في بغداد زمن الخليفة (الناصر لدين لله)، حيث كلف شخص يدعى (أبو نقطة) للقيام بمهمة السحور وإيقاظ الخليفة شخصياً، وكان أبو نقطه ينشد (يا نياما.. قوموا للسحور... قوما) وظل الحال، كما هو عليه عند المسلمين حتى عهد الدولة الفاطمية، وبالتحديد زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي حين أمر في البداية جنود الدولة أن يتولوا مهمة إيقاظ الناس، حتى اهتدى الى فكرة تعيين رجل للقيام بمهمة المسحراتي، وكان المسحراتي يردد آنذاك عبارة جميلة وهي (يا أهل الله قوموا تسحروا) ولا تزال مهنة المسحراتي قائمة في مجتمعنا العربي والإسلامي حتى يومنا هذا، برغم اختلال بهجتها بحكم عوامل ذاتية وموضوعية؟!ففي مكة المكرمة: يسمى المسحراتي (الزمزمي)، وكان يحمل قنديلين يطوف بهما ،بحيث يتسنى من لا يسمع صوته أن يرى الضوء ويبدأ بالسحور أو الإمساك.وفي بلاد الشام: يحمل المسحراتي عيدان، وصفافير تصدر اصواتاً جميلة إيذانًا للسحور على النغمات الجميلة.وفي اليمن: هناك نوع من الخشونة في السحور، حيث يقوم رجل من القرية وينادي بصوت عالي.. قوموا... كلو...).وفي السودان: يتجول شخص ومعه طفل وبيده دفتر يسجل أسماء العائلات المنوي إيقاظها للحصول على الرزق صباح العيد.وفي تركيا: تقوم بالدور مجموعة من الفتيات ويرددن أغاني جماعية جميلة يطالبن الناس فيها السحور.وفي الكاميرون: يقوم بمهمة السحور جماعة متألفة من 10-15 شخص يقرعون سويا الطبول الإفريقية.أدوات المسحراتيكان المسحراتي يستخدم طبلة تسمى (البازة) وتمسك في اليد اليسرى، وفي يده اليمنى سير من الجلد أو خشبة، و(البازة) عبارة عن طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من جلد الحيوانات المتين مثبت بمسامير، ظهرها أجوف من النحاس تسمى طبلة المسحر، والحجم الكبير منها يسمى 'جمال' والآن استقر الوضع على طبلة عادية تضرب بعصاه خاصة مع بعض أناشيد غير منتظمة لا يشترط بها حلاوة الصوت مثل أيام زمان!أجرة المسحراتيتعد أجرة المسحراتي أو إكرامه من الأمور غير الثابتة في المجتمع الإسلامي والعربي، وتدل في كثير من الأحيان على جزء من الابتهال والجود والمباهاة، والكل يدفع حسب طاقاته وإمكانياته المادية وقدراته، ففي الريف كان يعطي حبوب (نصف كيلة من حبوب الذرة أو القمح).وفي المدن والمخيمات الفلسطينية كان المسحراتي يحمل في يده سل كبير ويجود عليه الناس (إما بعدة أرغفة من الخبز، أو بعدة كعكات محشوة بالعجوة (كعك العيد)، والميسور كان يعطيه مبلغا من المال وتغير الحال الآن وأصبح المسحراتي يطلب مبلغاً من المال يعادل ديناراً أردنياً.ملابسهكان علي المسحر أن يلتزم بلبس جلباباً واسعاً فضفاضاً، وفي بعض أنحاء العالم الإسلامي كان يطلب منه أن يضع كوفيه أو طربوشاً خاصاً به ولا يجوز أن يكون عارياً (حاسر) الرأس هذا هو واقع المسحراتي في عالمنا الإسلامي، يوم كان لكل شي بهجة، وكانت الفرحة تملأ قلوبنا حتى على أبسط الأشياء كنا نغني معًا ونفرح معًا في وطننا العربي الكبير، فما بالنا اليوم لا نفرح ولا نغني معًا داخل الوطن الواحد، نحتاج اليوم إلى مسحراتي سياسي يقول لمن يملأ كروشهم شبعاً على السحور، ولمراهقي سياسة القرن الحادي والعشرين.. اصحى.. يا نايم.. اصحى يا نايم. رمضان كريم.rn
من أين جاءت فكرة المسحراتي؟
نشر في: 15 أغسطس, 2010: 04:53 م