TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ثقافة لوجه الله والوطن

ثقافة لوجه الله والوطن

نشر في: 29 يوليو, 2023: 09:39 م

ياسين طه حافظ

شغلني هذا الموضوع مرات وقلت ليس هذا الطريق اليه، لكنه ظل يعاودني بين حين وحين. دائما لنا ما يشغلنا من هموم اجتماعية، وما اكثرها، وثقافية وكم مؤسف فيها، تصرفنا عن خوض معركتنا اللاجدوى منها أو لا تتناسب الجدوى مع عقابيل الكلام.

مع ذلك نظل نفكر فيما كان وما يكون. ولنا الكثير مما نتحدث عنه فتبعات الاحداث كما تعلمون ما سلم منها أحد وارتضى كل على مضض ما ناله - ولله الحمد من قبلُ ومن بعد. يكفينا الكلام عن بعد ويكفينا الصمت على الم مما نرى ومما نسمع وما نخشى.

اردت اليوم التجرؤ على رأي أو هو استدراك على آراء وافكار ارتضيناها يوما، أقول: نعم، الاحزاب أفادت بتوسيع الوعي السياسي واشاعته. ونعلم ان فيها الأصيل وفيها المشوب ووراء بعضها ما وراءه. الحصيلة عموماً انها عرّفت بنظریات وأفكار شكلت يوما اتجاهات سياسية وهي لهذا دعت للتآلف الوطني، كشرط لتحقيق الاهداف. والسؤوال الان: أية أهداف حققنا واي تآلف وطني؟

لست متشائما ولكني أتحدث بمنطق يتناسب والنظر لما نراه ولما واجهناه ونواجهه وما نال كل واحد منا وما اضطر إليه من فعل و "خدمات".

حتى اليوم، الشعب موزع في خانات أفكاره السياسية. وللدقة اكثر، للافكار التي يريدونها له، سياسية او ملتبسة. ومع احترامنا للجميع، ولقناعاتهم، إن كانوا مقتنعين، اسألهم وأسـأل نفـسي: أي تلك القناعات السياسية كان ممكنا وعملياً؟ هل كان ممكنا تحقيق الشعار الكريم، وطن حر وشعب سعيد؟ وهو مطوق و ضمن هيمات عالمية واضحة، وكيف يكون الشعب سعيداً بزرع محدود وصناعة غائبة ونفط ليس، عموما، لنا؟ محنة هي لنا ولهم، وشرف المحاولة لا يكفي! وحدة حرية، اشتراكية؟ الوحدة هدف سامٍ نتمناه، ولكننا نتحدث عن الممكن والعملي بأقل المعوقات. ان قادة الاحزاب الوحدوية يتنافسون على الزعامات يل يتواطؤن بعضهم على بعض والاتهامات بينهم ما توقفت يوما، والموالون مع قادتهم في الرضا وفي الاتهام، ولا ضرورة بعد للحديث عن الحرية فقد رأيناها، ولا ضرورة بعد للحديث عن الاشتراكية التي لم تعد تُذكَر اصلا! وأسأل الأسئلة نفسها عن الاتجاهات الدينية، وانا كما قلت احترم الجميع.

أما كان سبيل التثقيف "بالحضاري" والمدني،علوماً وأدباً وافكاراً وفلسفات وما يلحقها أو يسبقها في الاقتصاد والادارة والصحة ومتطلبات الثقافة العامة للمجتمع وتهذيبه، أما كان يجب ان تكون هي الشعارات الأولى وهي التي تدعو ونضحي من أجل نشرها واشاعة الوعي بها؟ أماكانت هذه هي التي تتقدم وتقدم المجتمع فيتعافى من جهله وبغتني بمؤهلات وضرورات تقدمه؟ هذه أهداف، مشتركة للجميع وما كنا نختلف عليها، وإن اختلفنا على السبيل الأقصر والانجح.. هذه خلافات ليست دموية ولاتنتج كراهات مزمنة مثل السياسية المباشرة التي عانينا منهاوسنظل نعاني منها ما دام هناك من وما يغذيها ويفيد منها..

كانت اسئلتي، في حقيقتها، في الثقافة أكثر منها في السياسة، صلتنا بالثقافة اكثر مما بالسياسة. فبعد هكذا تنوير تشارك به جميع الاتجاهات، سيكون الخلاف في الأفكار السياسية، بلا أسلحة. ستكون وراء الخلافات ثقافة وتحضر وسلوك مدني واحترام ثقافات وافكار. هل تراني بهذا الطرح حكيما أم أبدو ساذجاً، ينسى ان هناك مصالح دولية وان الناس تريد ان تكسب وأن تنال حظوة ومناصب وتفيد من فرص او تخدم غايات أخرى مكلفين بها وهم "ناس" ينفذون؟

لكن هذه يا سادتي، لا تحول دون الكلام فيما هو أنفع واكثر صواباً، وألا نظل نعمل في سياقات لا تحقق أهدافاً ولا تبقي ألفة وسلاماً.

سيقول أحد: وهل نترك المذاهب السياسية؟

أقول لا نتركها، ولكن ليكن الاصلاح المدني ولتكن الثقافة علوماً وافكار وسلوكاً مدنياً، وليكن فهم الواقع والوعي، اهدافاً شعبية ونضالية بهذا المعنى الثقافي المدني وهو وعي جماعي وبلا دم وبنادق. أما ان يعتقد كل طرف بان هذه لا تتحقق إلا بآياته ومعجزاته هو أو افكاره، فهذا ما لا يمكن الاقتناع به ولا الرضا بجديته، بل فيه مصادرة وهيمنة لا ترضي الغير وتخرب وتـسفح دماً وقد رأينا ذلك!

"التجربة، أو التجارب على مدى قرن عربي وقروناً في العالم، أثبتت أن الثقافة والمعرفة وتطور البنى الاجتماعيه مدنياً، أسس أولى يجب الا تنسى وأيضاً ألا تُحْتَكر. وان الثقافة والمعارف هذه يجب ان تكون هدفاً أولا ومشتركاً للجميع.

حقيقةً، وقد تستغربون، ان الذي أثار هذا الموضوع ودفعني إليه اليوم وقد انتهيت من مراسم الفاتحة، هو الفعل الثقافي الخير الذي ينهض به رجال مباركون وأول من حضر في رأسي أنموذج انساني، شخصية معرفية جليلة القدر، هو استاذ التاريخ ابراهيم العلاف، هذا الرجل ينشر معارف وثقافة لجميع الناس يشيع بسخاء روحي معلومات مفيدة، وبلا كلل، ثقافة لجميع الناس. هو مدرسة خيرية تعطي الناس ثقافة وطنية، تكشف لهم ما في وطنهم وينشر علماً. هو يجمع بين الاخلاص للثقافة والعمل الوطني.

وقبله مثال كريم جليل القدر هو الشيخ احمد الوائلی رحمه الله، الذي اشاع ثقافة دينية متوازنة كاشفة وبمرجعيات سليمة وما كان يرضى بخطأ او غلوّ.

الاستاذ العلاف يتحدث عن تاريخ الموصل ناسها تجارها، آثارها محلاتها بيوتاتها القديمه ويتحدث عن العراق كله، يثني على الجيد وبشير لما هو خطأ أو يضر. فرد لا مؤسسة وراءه ولا دولة. يعمل بدأب وليس لغير وجه الله والوطن.

كم اتمنى، لكل مدينة، كل بلدة، شخصية، بل شخصیات، محترمة علمياً تتابع تاريخ المدينة وما فيها من إشكالات أو مزايا وما فيها من معالم وما تخفي ازقتها من اسرار. اذا لاوصلنا للناس ما لدينا من علم عنها وما اطلعنا عليه. إذاً لكان لنا ارشيف عظيم لمدائن الوطن وناسه وأعلامه وما فيها من شخوص وثقافات ولكان ارشيفا وطنيا عظيما مفيدا الفه ناس كرام أحبو الثقافة وأحبوا الناس وأحبوا الوطن.

ذكرت مثلين قريبين ولنا امثلة كريمة أخرى من هؤلاء الذين جعلوا من أنفسهم مدارس خيرية لنشر الثقافة وتعليم الناس تاریخ اوطانهم وحاضرها. فئة قليلة مباركة تعرف وتوضّح وتصوّب وتكشف وترى وتؤرشف وتنشر حقائق ومعارف، تسهم في تربية الناس وفي ثقيفهم بواقعهم المحلي والدولي.

الثقافة الرصينة لا تتقبل الانحياز الشرس والعصبية والحمق، بل يكتسب الناس فيها علماً وفهماً ولياقات مدنية تجعل الفرد يحترم كل ما يؤمن به ويؤمن به غيره. هكذا ثقافة عامة تمكّن الافكار السياسية من ان تتقدم بيسر. وإلا، فمن دونها، الاستعانة بالسلاح والتآمر مع الاجنبي وخسارة الناس والوطن.

واعود لمزيد من التأكيد الى تساؤلي كم ستكون الثقافة والمعارف السليمة والوعي بالشؤون العامة لو ان كل الأطراف، كل الفئات، وخلال ما يقارب القرن من الزمان قد عملوا بمثل ذلك وسعوا هذا المسعى؟ أما كان قبول نظرياتهم ومبادئهم أيسر وأقل اوجاعا ولوفرت كلفةً بشرية، ولما أريق دم بهذا الكم المفزع والضحايا بمثل ذلك العدد الذي رأيناه. سلاماً أيها المخلصون..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram